للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أن قطعة كبيرة انتثرت من الصارى فصدمت مينا وهي خارجة من حجرتها فأماتتها لساعتها، وأسقطتها تحت الأنقاض وعلم أبوها وشقيقها أن القضاء قد نفذ وشهدا السفينة مسرعة إلى الغرق وأن ليس لهما سعة من الوقت، فلم يجدا لهما سبيلاً إلا أن ينزلا قارب النجاة ويتركا رفات مينا يهوي إلى قاع الأوقيانوس.

فجاهدت قواي وانطلقت بالرجلين إلى حجرتي، وهناك تلقيت منهما تفصيل القصة.

قال سفن شقيقها: فلو أنك كتبت إلينا. . .! أنك لم ترسل إلينا إلا كتاباً واحداً، ثم أعقب ذلك. . .! السكوت التام!.

فصحت عجباً. . لك الله أيها الرجل! لقد كتبت عدة من الرسائل أناشدكم فيها إلا ما أرسلتم إلى تذكاران مينا!. .

قال الشيخ: ولكننا لم نتلق إلا واحدة منها، تلك التي قلت فيها إنك وإن كنت قد دعيت إلى خدمة الغواصات غير متوقع أن تغيب طويلاً عن استكهولم!. .

قلت: ومن كان يظن أن هذه الحرب الملعونة ستطول هذا الأمد الرخيّ كله؟

قال الشيخ: لقد حاولت مينا أن تحتمل آلام الفراق بشجاعة وصبر ولكنها عادت تأخذ في النحول والهزال، ولم تكن تشكو ولم تكن تتأوه ثم لم يمض زمن حتى انقطعت عن الكلام عنك دفعة واحدة لأنها كانت تعلم أننا كنا نعتقد أنك قد نسيتها وطردتها من قلبك، ولم تكن تحتمل أن تسمع كلمة سوء من إنسان عنك!

فلما أقبل ديسمبر الماضي، توفي الله زوجتي، وكانت تلك نكبة أخرى أشفقنا منها أن تذهب بحياة الطفلة المسكينة، وقد ذبلت الوجنتان وغارت العينان، فاشتريت تلك السفينة - تلك التي أغرقتها منذ لحيظات - وأجمعت على أن أصحب مينا في سفراتي واستعنت على قيادة الجارية بسفن.

وكنا عائدين من الساحل الغربي لإفريقيا نحمل أحمالاً إلى انجلترا وكان قضاء ثلاثة أشهر في عرض البحر كافياً لكي يرد لون الورد إلى وجنة الفتاة، وأوشكت مينا أن تعود إليّ جمالها الأول، كآخر عهدك برؤيته، ولاح لنا الابتهاج مسرع إلينا وإننا لكذلك - وتلك عجائب القدر - إذ بك قد عرضت لنا في طريقنا، فبددت هناءنا إلى الأبد!

فما سمعت من الرجل أن زوجته قد توفيت، تذكرت الحلم وما تراءت لي فيه تلك المرأة