للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بلغت من الجراءة مبلغاً ليس له مثيل في التاريخ، فإنها حينما رأت العرب وقد أوشكوا على فتح المدينة عنوة راسلت أميرهم وطلبت منه الهدنة إذ كتبت إليه رسالة هذه ترجمتها:

ياوجوه العرب! بأي شرع من شرائع المروة والفتوة، تحاربون امرأة لا حول لها ولا قوة؟ لعمري أن هذا ليس من شمائل قومكم أهل الحمية والنخوة! أفما علمتم أن الملك زوجي قد ذهب لمحاربة إخوانكم في عقر داركم؟ وها أنا قد كاتبته بنزولكم علينا وهو بلا شك سيسارع إلينا، فإن كنتم كما أعهد من أهل النجدة والبأس، فما في انتظاركم ساعة من بأس! وإلا فاذهبوا إلى ملاقاته ومقارعته في جهة أوريجا هنالك يتاح لكم الظهور بمظهر الأنجاد المغاوير! أما إذا بقيتم في هذا المكان فليس لكم من فخار في قتال ربات الحجال! وإنما يحيق بكم الخزي المبين، إذا أقدمتم على امرأة عزلاء ليس لها من ناصر ولا معين.

وصلت هذه الرسالة إلى أمير العرب فدبت فيه النخوة العربية فسارع إلى التنصل والاعتذار على أشرف وجه وأنبل أسلوب، مؤكداً أنه لم يكن يعلم أن الملكة كنت وحدها في طليطلة وإلا فإنه ما كان يجيز لنفسه أن يطرق حماها لأنه لم يخطر على باله قط أن يحارب امرأة ولا أن ينتهك حرمتها.

ثم عرض عليها رفع الحصار في الحال بعد أن يتشرف بتقديم التحية إليها، حينئذ تقدمت الملكة فوق الأسوار وهي تتجلى كالعروس في أفخر ملابسها وحولها الوصيفات والضاربون بالآلات الموسيقية.

فبادر العرب كلهم من وراء الأسوار إلى تقديم مراسم التحية والإجلال، وهتفوا مهللين مكبرين أمام هذا الجمال الساحر ثم انصرفوا تحت جنح الليل، فالتقوا بالملك الفونس في طريقهم فانقض عليهم بجنود لا قبل لهم بها فأفناهم عن آخرهم وكان ذلك آخر العهد بهم.

وسنمحص هذه الرواية تمحيصاً تاريخياً علمياً في العدد الآتي، ونردفها بمسألة مشابهة لها من جهة الشهامة العربية، والله ولي التوفيق.