إن اكتشاف لغة على هذا النحو أولى بوضاع الروايات الخيالية، منه بطلاب الحقائق العلمية، وقد يصدق الإنسان باختراع لغة ووضعها ويتردد في القول باكتشاف لغة باد أهلها ولم يتركوا لمن بعدهم سبيلاً إلى معرفتها، من كتب تعلم قراءتها ومعاجم تفسر مفرداتها ومؤلفات تهدي قارئ جملها إلى دلالة التراكيب بل ولم يدلوا على حروفها الهجائية ورموزها الأولية ولو جاءنا فرنسي لا علم له بالانكليزية مدعياً أنه استعان بمعاجم الانكليز على فهم شعر. . شكسبير لكذبناه في دعواه، وأقمنا جهله بأصل اللغة برهاناً على كذبه مع اتحاد اللغتين الفرنسية والانكليزية في الأصل والحروف وتقارب بعض المفردات في النطق والمعنى ووجود المعاجم والكتب المساعدة على ذلك فما بالنا نصدق رجلاً لا عهد له بلغة ولا معرفة له بحروفها ولا اجتماع له بأحد من أهلها وليس هناك معاجم تحل مفرداتها على فرض قراءة حروفها فيما هو أبعد من ذلك وأصعب.
إن اللغة العربية - وهي لغة دين دعا أهلها لتدوينها والمحافظة عليها ونشرها لا تزال - وقد ضبطنا كل مفرداتها، وجمعنا ما قيل فيها من نظم ونثر، ودونا فيها ما لا يحصى من المعاجم والكتب وأخذناها عن أهلها بالرواية والتلقين والمشافهة والمحاكاة - لا نزال إلى الآن نستصعب فهم الكثير من جملها وربما جهلنا جهلاً تاماً بعض ألفاظها التي جاءت في أشهر وأكرم كتبها كالمقطعات في أول السور، ذلك حال العربية والعناية بها كما علمت - فما ظنك بلغة قوم، كانوا يخفونها عن العامة، ويخصون بها الكهنة الذين انقرضوا دون بذلها لسواهم ومضى على انقراضهم طويل الأزمان والآناء.
سوف نسمع نعرة حماسية، من قراء تلك الرموز ومصدقي أنبائها، غير أن الباحث عن الحقيقة يجب أن يروض آذانه على الجلبة والصخب.
إننا إذا طرحنا السفسطة، وطلبنا أقوى الحجج على صحة دلالة (الهيرجليفي) لبحثها، وجدناها لا تقوى على تحمل النقد الصحيح فأشياعها يقولون أن قراءة (الهيرجليفي) منتجة باطراد وأن الذين تعلموها يقرؤون بها كل مكتوب، وأن قراءها يتحدون في فهم المراد بها، ولو كانت دلالتها غير صحيحة، لظهر الاضطراب عند تطبيقها، وفقدت دلالتها ولم تشف عن المقصود منها، وفي ألواح كثيرة كتبت بها، وإذا صحت النتيجة واطردت الدلالة، دل هذا على صحة المقدمات الموصلة إليها.