للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

بعض ما يساقط علينا من الأنغام المطربة التي تعجز عن أن تخرجها الصنعة الموسيقية الحديثة.

أو تدري ما الذي يلقى إلينا بهذه الأنغام؟ أنها آلة دقيقة تطير حول الشمس يسميها الناس البلبل.

إن الطبيعة كثيراً ما تصر آلاءها في دائرة ضيقة!!

أنصت! ها هي البلبل تغنينا، ولا أحسب كل من لعب على سمعه شيء من غنائها بقادر على أن يفلت منه.

إنها لطائر ذات مروءة، تسعى دائبة في سرور غيرها، وليست كأولئك المغنيات اللائي يغريننا بأصواتهن المصقولة حتى إذا ما استعدناهن أشحن عنا متدللات متكبرات وتركننا بين الراحة والألم!!

وهذا هو (الحسون) الصغير، ذو الريش الجميل، يلتقط حبات (البابونج) ثم يقفز برشاقة على فروع (التفاح) المزهرة، فيتأنق في جلسته ما يشاء، ويحيينا بصوته الأغن.

ولا أراني ممارياً إذا قلت أني أضن به على القفص ولو أعطيت الدنيا وما فيها.

على أني أستميحك وقفة لدى هذا العش الصغير، أو إذا شئت ذلك البناء الحصين وأرجو أن تستظهره ببصرك وتستنبطه، ثم تفضي إليّ بما عساه أن ينالك من الدهش عندما تعرف أن (العصفور) لم يستعن على بنائه بآلة من آلات البناء!! فلا أثر لقاطعة تشذب شواذه، أو مسمار يربط أجزاءه، أو مبرد يصقل خشونته، أو غراء يلصق جوانبه، بل تراه غني عنها جميعاً بمنقاره الصغير!! وبناؤه مع ذلك آية في الدقة والأحكام!

فأية يد ماهرة تستخدم كل أسباب العمل، وتفرط فيه عقدين من السنين، ثم تغدو علينا بآخر يحكيه متانة وإتقاناً؟؟

ألا أن حقاً علينا أن ندهش ونعجب من هذه المهارة التي تفضل مهارتنا الفطرية أو لست ترى (النحلة) تلك الصناع الحاذقة، كيف تهزأ بالإنسان الذي يعمد إلى النماذج والأدوات عندما يراد على صنع جرم سداسي بينما هي لا تعمد في صنعه إلا إلى النظر؟ إنها لمهندس داهية كبير، أما رأيت كيف تبدأ بناءها بالسقف عندما نبدؤه نحن بالأساس؟؟

على أنها رغم ما تصرفه في هذا البناء من الجهد تظل هائمة بياض يومها بين الأشجار