للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ذوي العواطف المضطربة والأعصاب المريضة لا يطيقون كتمان الأسرار فينبغي لذلك أن لا يفشى إليهم سر.

هذا ومما يستحسن أن يذكر هنا وإن لم يكن من هذا الباب قول القائل:

كتمت الهوى حتى إذا نطقت به ... بوادر من دمع تسيل على خدي

وشاع الذي أضمرت من غير منطق ... كان ضمير القلب يرشح من جلدي

الحسن البصري والخليل بن أحمد

يعجبني من زهاد سلفنا الصالح الأولين نفر تعمر سيرتهم وأحوالهم صدري ويملأ كلامهم أذني صواباً وحكمة سماوية تنحدر من الأذن إلى صفحة القلب فينبثق لها نور يجلو ظلام البصيرة - من هؤلاء النفر رجلان كانا المثل الأعلى للعقل والورع واحتقار الدنيا ثم للبيان الإلهي الذي كانه وحي يوحى، هما الحسن البصري والخليل بن أحمد، أما الحسن البصري فكان من جلة التابعين الذين أدركوا أصحاب رسول الله وساداتهم، وهو من أبناء الموالي إذ كان أبوه يسار مولى زيد بن ثابت الأنصاري رضي الله عنه وأمه خيرة مولاه أم سلمة زوج النبي قالوا وربما كانت تغيب أمه في حاجة فيبكي فتعطيه أم سلمة ثديها تعلله به إلى أن تجيء أمه فيدر عليها ثديها فيشرب منه فيرون أن تلك الحكمة من بركة ذلك، قال أبو عمرو بن العلاء ما رأيت أفصح من الحسن البصري ومن الحجاج بن يوسف الثقفي فقيل له فأيهما كان أفصح قال الحسن - ونشأ الحسن بوادي القرى وكان أجمل أهل البصرة حكي الأصمعي عن أبيه قال: ما رأيت أعرض زنداً من الحسن، كان عرضه شبراً، فمن كلامه رضي الله عنه: ما رأيت يقيناً لا شك فيه أشبه بشك لا يقين فيه إلا الموت: وله: كان الناس ورقاً لا شوك فيه وهم اليوم شوك لا ورق فيه: ورأى يوماً رجلاً وسيماً حسن الهيئة فسأل عنه فقيل إنه يتنادر للملوك يضحكهم بمجونه ونوادره ويحبونه، فقال لله أبوه ما رأيت أحداً طلب الدنيا بما يشبهها إلا هذا - وكانت أمه تقص للناس ودخل عليها يوماً وفي يدها كراثة تأكلها فقال لها يا أماه ألقي هذه البقلة الخبيثة من يدك فقالت يا بني إنك شيخ قد كبرت وخرفت فقال يا أماه أينا أكبر.

وإذا أنت أردت استقصاء كلمات هذا الرجل العاقل الحكيم فعليك مطولات كتب الأدب والتاريخ ونحن إنما نأخذ من كل شيء طرفاً.