للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

متوسم به ولا محقق فيه ولا من يقام لرأيه في تلك الصناعة وزن.

ولا أدل على ما نحن فيه من قاصمة الظهر وغصة الحلق وهذه القصيدة التي سموها علوية القصري والتي يقول في مطلعها:

عبرت بالعبرة المجراة لا الكلم ... عن حال قلب سليمٍ بالهوى كلم

له عليه من الحكم المنفذ ما ... للعاصفات على الخيزور والسلم

يسيل سيل سحاب الدمع منك على ... وادي الخدود وقلب القلب في ضرم

فهذا الشعر الذي لا يسك سمع أديب حتى يتخيل من ألفاظه ونسقه أن جداراً ينقض على رأسه حجراً حجراً ولا يكاد يأتي على آخره حتى يمثل له أنه يسمع معاول رجال التنظيم ينبشون عنه تحت الردم. . . هو الذي نصب له فضيلة الأستاذ الجليل الشيخ محمد بخيت مفتي الديار المصرية نفسه فنوه باسم ناظمه ودعا العلماء والكبراء والأدباء إلى الاحتفال به وسماع قصيدته فذهبوا وسمعوا ورجع بعضهم كالمغشى عليه من الموت.

لا تعنينا هذه المتون ولا شعراؤها فهي هي وهم هم ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها؟ ولكن ما بال هؤلاء الكبراء عفا الله عنهم لا يميزون الخبيث من الطيب؟ وما لهم يحدثون في الأمة هذه الأحداث ويشهرون ببعض أدبائها تشهيراً وكانوا في ستر وعافية من الله وهم لا يجهلون أن صنيعهم هذا مما تفسد به أذواق الناشئين في الأدب وتخبث عليه نفوسهم وتضعف منه قرائحهم، وأنه يبعث على الغرور ويزينه للناس ويخلط في ألوان الأخلاق، وجملة القول أنه يجني على الأدب والأخلاق معاً.

إنهم إن يكونوا يعرفون ذلك ويأتونه فتلك مصيبة وإلا فالمصيبة أعظم، والحق فيما نرى أن كبراء الأمة لا يبالون بالأمة من هذه الجهة وإنهم لا يزالون على أثر من العهد القديم الذي جعل احترام بعض الطبقات ديناً وأمرهم شرعاً وسن لهم من مذاهب الاجتماع حلالاً وحراماً وأوجب على الضعفاء حق المنصب والجاه، وكأنهم أيضاً لا يبالون بما حولهم من عيون تبصر وآذان تسمع وقلوب تشعر وأفهام تعي وأذهان تنتقد، وكأنه لا حكم عليهم لأحد مع أنهم في عهد جعل لكل الأمم على كبرائها ما للعاصفات على الخيروز والسلم. . . كما يقول شاعرهم القصري.

ربنا إن أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله.