وعادت الأم تقول: لو لم تكن الهموم والشرور والنقائص والمضار، لم نجد شيئاً نميز به، وبضدها تتميز الأشياء.
قال الطفل: بذلك المنطق الغريب الذي يجنح إليه الأطفال، إذا صح ما تقولين يا أماه، فإن الشيطان نافع أكبر النفع وهو في النهاية ليس رجلاً مسيئاً كما كنا نظن.
قال الوالد متحيراً: لا ينبغي أن نتصور الشيطان شخصاً بل نتصور جميع الدنايا والمعابات التي نرتكبها وجميع القسوات والفظاعات والشنائع، فهي الشيطان الذي نحاربه، فهل تظن في جميع هذا شيئاً نافعاً، أظنك لا تقول ذلك.
ففكر الأطفال في هذا ملياً، ثم رفع لادي رأسه فسأل والده وهل رأيت الله أنت يا أبي؟
فأجاب الوالد: كلا، بل شهدت أعماله، وهذا كل ما نستطيعه في هذا العالم انظر إلى الكواكب في الليل وانظر إلى القوة التي جعلتها في نظام متين، ومسيرة مضطردة لا تغيير لها ولا تبديل.
قال أحد الأطفال: لعله لم يستطع أن يجعل هذه الكواكب الشهب تقف في مكان واحد.
قال الشيخ: بل لقد أراد بها أن تكون شهباً لا مقر لها ولا مطمأن.
قال الطفل: ليتها كانت جميعاً شهباً، فيا الله من ذلك المنظر الجميل لو أنها راحت كذلك.
قال الأب: نعم، ولكنها في ليلة واحدة قد تنفذ في كبد السماء ثم لا تلبث أن تحتجب، فانظر ماذا يكون حال الدنيا إذ ذاك.
فلاحظ دمبلس: أحقاً أن الله يسمع جميع ما نقول؟
فأجاب الوالد: لا أعرف وهو خائف أن يساق إلى موضوع مخيف ولكن الأم كانت أثبت منه فقالت أجل يا بني، إنه يسمع كل شيء.
فعاد الطفل يسأل: وهل هو يتسمع علينا الآن؟ قالت: أجل.
فأردف الطفل يقول: إذا كان هذا فإن ذلك ليس من الأدب في شيء.
فابتسم الوالد لأنه أدرك المأزق الذي وقعت فيه زوجته، وتنهدت الأم حسري مرعبة لا تعرف ماذا تقول.
وهنا كان قد أمسى الليل، وحان موعد نوم الأطفال فنهضوا من مكانهم.
قالت الأم: لتقولوا دعواتكم عند النوم قبل الذهاب إلى المضاجع.