للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

العظام ولا في الأسنان، كذلك عضو واحد يخلو تركيبه من الماء ففي الأنسجة العصبية يتألف الماء من ٨٠ جزء من ألف، وفي الرئة ٨٣٠ من الألف.

وكثيرون من الناس استطاعوا احتمال الحرمان المطلق من الطعام بضعة أسابيع، ولكن الحرمان من الشراب ثلاثة أيام - إلا إذا كان ذلك في جو رطب - قد يكون الحد الأقصى لاحتمال الإنسانية، لأن الظمأ أشنع عذابات الدنيا، وأفظع الوسائل التي اتخذها الحكام المستبدون، في الشرق والغرب لتعذيب أعدائهم والناقمين عليهم، بل إن الظمأ هو السبيل التي يستعين بها الناس على تدجين حيواناتهم وتأليفها وكسر شرتها، فقد كان من عادة أحد العلماء - وكان لديه جواد شكس شامس رذل - أن يستخدم الظمأ لكبح جماحه وكسر حدته، فإن هدأ الجواد قليلاً منحه من الماء قليلاً، حتى لم يلبث الحيوان أن راح ذلولاً سهلاً مطمئناً للركوب، مطواعاً للأعنة.

ولعل أغرب أحداث الظمأ التي ذكرها التاريخ تلك القصة التاريخية المأثورة التي وسمنا هذا الفصل بعنوانها، أعني قاعة الموت وهي الحجرة السوداء في كلكتا عاصمة الهند وهي التي حبس فيها مائة وستة وأربعون نفساً ونحن ننشرها هنا كحادثة تاريخية ممتعة ونظرية علمية تدل على آلام الظمأ في أشنع صوره.

وتفصيل الحادث أن حاكم قلعة وليام بكلكتا أيام الفتح الانكليزي لمستعمرة الهند، حبس تاجراً من الهنود لذنب ارتكبه، وجريمة أحدثها، فلم يكن من سراج الدولة طاغية ولاية بنغال إلا أن تذرع بهذا الحادث واتخذه شفيعاً مبرراً لغارته على تلك القلعة في جيش جرار، وحاصرها وافتتحها ثم حبس البقية الباقية من الحامية في حجرة من حجراتها تسمى القاعة السوداء وقد وضع قائد الحامية - وكان أسيراً محتبساً في تلك القاعة الشنيعة مع القوم - وصفاً بليغاً يستدر الشؤون ويرعب الأبدان، ونشر هذا الوصف عام ١٧٥٨، ونحن نقطتف منه النبذة الآتية:

صور لنفسك حال مائة وستة وأربعين مسكيناً قد هد التعب قواهم هداً وتراخت نفوسهم بعد متعبة الحرب والقتال، يركمون بعضهم فوق بعض في حجرة مساحتها ثمانية عشر قدماً، في ليلة حارة قائظة من ليالي الهند الدافئة، يقوم على جوانبها حيطان شاهقة، وأسوار منيعة ولا فتحات فيها إلا في الناحية الغربية منها، حيث لا يوجد إلا نافذتان مسورتان بقضبان