للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قطرات من لعابها، ولكما نفثت نقطة رفعت رأسها لكي يتسنى لها أن تجعل السائل الذي تنفثه من لعابها على خط مستقيم وخيط ضعيف وكذلك تضع عدة خيوط من لعابها كالشعرات فوق ساق الورقة ثم تحرك هذا الساق إلى الجزء الأخضر وتبتدئ في غذائها، وتنطلق من طرفها في طريقها إلى الورقة وكلما أكلت قطعة تحوطها بدوائر من لعابها، من الناحيتين العليا والسفلى من الورقة، حتى إذا تم لها ما أرادته من وضع متاريسها حول الورقة، اطمأنت وأخذت في طعامها ثم تسترسل في وضع دوائر من لعابها كلما تقدمت في الأكل.

ولا شك في أن الغر من ذلك هو لوضع خطوط دفاعية ولإنشاء متاريس تحصينية ولكن رب سائل يسأل وعلام الدفاع، ولم التحصين وإليك الشرح وهاك السر:

يعرف الحشريون أن الحيلة العامة التي تتخذها النباتات من شر الحشرات في أن تضع خطوطاً وشعرات وخيوطاً على سوقها وعيدانها وشماريخها وأوراق أغصانها ولا سيما ما يختص منها بثمارها وأرهارها، وذلك لترد غارة الحشرات الدابة إليها، ومنها النمال وهي أفظع الحشرات شراً على النباتات.

وقد كنت أعرف هذه الظاهرة الطبيعية. ولذلك استحضرت جملة من النمل الأسمر الموجود في حديقتي ووضعت واحدة منها على حافة الورقة التي أنشأت تلك الحشرة الأولى فيها متاريسها وخطوط دفاعها، فكان من اهتياج النملة أن انطلقت بسرعة فوق أديم الورقة واندفعت رأساً على تلك الخيوط السائلة، فتكسر خيط منها وتشبث برأس النملة، فبدأ هذه تتململ وتحاول التخلص وبعد أن عانت مشقة طويلة نجحت في الخلاص من أشراكها على أنه لم يصبها الرعب فقط من هذا الحادث، بل جعلت كذلك تلمس وجهها بمقدمة أرجلها ولاح لي أنها أخذت تعطس بكثرة إذا صح أن النملة تعطس وإذ ذاك وضعت نهاية بطنها تحت أقدامها وأطرقت برأسها وجعلت كذلك تتدحرج كالكرة ويحتمل أنها كانت تخرج إذ ذاك شيئاً من الحامض لتفسد مفعول ما تناولته من ذلك السائل الذي نفثته الحشرة الأولى، لأنها بعد لحظات أخذت تفيق وتنتعش ومضت تتحرك بكل احتراس حول الورقة، وما كادت تداني بقايا تلك الخيوط حتى ارتدت على أعقابها ويلوح لي أنها استطاعت أن تشم رائحة ذلك السائل، ولذلك أصبحت متنبهة يقظة.