للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

منتهى البساطة والهدوء، وكان أحب شيء إليه المشي ولم يكن يميل إلى الصيد والقنص أو ركوب الزوارق، وكانت الغابات التي حفظت لصيده في بولونيا ولثوانيا قلما تراه أو تشهده، وكانت الرسوم الإمبراطورية تقضي عليه أن يمكث دهراً في البحرية والجيش، فاشتغل في كليهما، ولكنه لم يكن مع ذلك جندياً ولا بحرياً، وقد يظن الغربيون أن هذا هو الغباء والبلادة بعينها، ولكن القيصر كان في ذلك كبقية أهل الروسيا، ولا سيما الطبقة الراقية المثرية منهم، فهم أكره الناس للرياضات الخطرة التي تطلب إنهاك البدن، وإتعاب الأعصاب، ولعل السبب في ذلك هو جو الروسيا ومناخها فهو لا يعين الناس على طلب الرياضة بل يعيقهم ويصدهم، وقد كان القيصر يشبه أمته في صفة أخرى، وهي نزعة الأوهام والخرافات.

فقد كان أهل البلاد قبل ظهور الرجل الغريب راسبوتين يعنون أشد العناية بالأمور الروحانية، وكان الدجالون من جميع الأجناس والأشكال والألوان ينزلون بالقصر كأحب الضيوف، وأكرم النازلين، وأعز الزوار، نذكر من هؤلاء الشقي فيلبس والدكتور باباس، فقد طلب أهل القصر حضورهما من باريس خاصة لاستحضار الأرواح في القصر وإلقاء محاضرات في الإسبرايتيواليزم وقد اهتم القيصر والقيصرة بهذا الموضع إذ حضهما عليه أميرتان من أمراء الجبل الأسود كانتا تقيمان في البلاط الروسي وكانت إحداهما الأميرة ميلتزا التي تزوجت بعد ذلك الغراندوق نيقولا قائد الروس المشهور.

وينبغي أن تعلم أن الروس قوم متدينون يضرب بهم المثل في نزعاتهم الدينية واستمساكهم بالخزعبلات والأوهام، والسواد الأعظم من الأهلين فلاحون، يعيشون هدفاً للجهل والخرافة، ولا يشغل أذهانهم إلا أمران، أرضهم والشراب، فهم لا يملون منهما، ولا يبرمون بهما، ولا يشبعون من الأرض ولا يصيبون من الخمر رياً، فهم أعطش الناس إليها، وإن ملأت بها أجوافهم، ولذلك كانت الخمر والخرافة والنزاع إلى تصديق الأوهام كثيراً ما تؤدي بالروس إلى أمور غريبة وطرق عجيبة، وهذا هو منشأت وجود طوائف مختلفة غريبة الأطوار في الروسيا بين متصوفين ونساك ومعذبين لجسومهم في سبيل تطهير أرواحهم، وتشويه أبدانهم، وجذع أنوفهم، وما إلى ذلك من ضروب العذاب، ومنهم خلائق كثيرون يحبسون أنفسهم في دورهم ويطلقون النيران تأكلهم هم وبيوتهم، ومن بين