للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

كانت في ضياء الأرض.

وكذلك حملت إيزابلا رأس حبيبها إلى غرفتها حيث أقبلت عليها تهدئ ثائر شعرها بمشط من الذهب. وتبسط ملتوي أهدابها حول مقبرتي عينيها. وتنضح تراب القبر بدموعها الغزيرة. وقضت الساعات الطوال تمشط وتتنهد وتجدد البكاء وتردد.

وجاءت بمنديل من الحرير أشبعته بالطيب والغالية فلفت به الهامة المحبوبة وجعلت قبرها قصرية زهر حيث دفنتها وغطتها بالتراب ووضعت فوقها بذور نعناع وجعلت من غدران دمعها ريها وسقياها. ثم عكفت عليها ونسيت في سبيلها الحياة ومعانيها. والدنيا ومناحيها ونسيت الأرض والسماء والشمس والقمر والنجوم والروض والنهر والشجر والغدير والصبا والجنوب فلم تدر متى بزغت الشمس ومتى توارت بالحجاب ولكنها أكبت على نعناعتها الحلوة صباح مساء في سكينة وهدوء تمطرها دموعها الغزار وتروحها بأنفاسها الحرار.

وكذلك شبت النعناعة وزكت ملتفة خضراء. ناضرة حسناء وفاح لها نسيم طيب أذكى وأعبق من نفحات نظائرها وأمثالها مما يزين قصور المدينة وخمائلها ولا بدع إذ كان غذائها لوعة القلب الحزين، ومادة الحياة من ذرات الراس الدفين.

كذلك برزت من حجابها روح تلك الجوهرة المكنونة والذخيرة المدفونة فبدت للعيان زاهية خضراء ملتفة الورق عبقة الأريج. ألا قفي برهة على هذا المشهد الأليم يا أسراب الهوام ويا طوائف الأحزان فاطرقي أسفاً وذوبي حسرة ولهفاً. ويا نغمات الموسيقى الرخيم اسجعي جزعاً وكمدا. واهتفي ولوعاً ووجدا! ويا صدى عالم الأرواح ثر من مكامنك الخفية فأرسل زفرات العناء وأنفاس الصعداء ويا ساكني القبور ارفعوا الرؤوس وابتسموا استبشاراً فعما قريب تنزل بينكم إيزابلا إنها لتزوي وتذبل كالغصن الرطيب قصفه الزهار للعطر والطيب.

وراقب الأخوان إدمانها البكاء لا يجف لها جفن ولا ترقأ لها عبرة. وكم من خبيث من بين قومها متطلع متجسس أخذ يعجب لذلتها وانكسارها وكيف ظلت تبدد بيد الحزن كنوز جمالها وتضحي على مذبح الكمد قربان حسنها وأنها لجديرة أن تكون زوجة أشرف سري وأثرى غني.