كانت هي التي أيقظته فهو ولا ريب ملها خاصة، وحق من حقوقها وحدها.
وعلى ذلك راح يسلم فتاته فيولا مقادة حبه كله، ويهبه بجملته، لا بالقطاعي! ومضى يقول بلغة الشعر ولسان الهوى هاك حبي، وهو جميع ما أملك، أو ينتظر مني أن أملك، خذيه لنفسك، فهو لك ومتاعك وحقك الواجب!.
وأنت تعلم أن أعمال الرجل وجميع ما يصدر عنه لا مرد له عنها، ولا محيص، ولا يستطيع النزول عنها أو تركها وأما المرأة فقلما تجدها مصرة على عمل، عنيدة إزاء فعل من أفعالها، مستبدة من ناحية أمر من أمورها، ولعل ذلك لأن المرأة خلقت وهي تعرف ثلاثة أضعاف ما يعرفه أكبر الرجال ذكاءً وفهماً وإدراكاً، ولذلك لا ترى امرأة واحدة في الدنيا مسرفة في حبها أو تراها من جنون العاطفة والتبذير فيها بحيث تهب جميع حبها جملة واحدة، وقد تتظاهر بأنها تهبه كله مرة واحدة، ولكنها في الحقيقة لم تفعل شيئاً من ذلك، ولو أن لنا قوة نستطيع بها وصولاً إلى مفتاح الصندوقة التي تختزن فيها المرأة كنوز عاطفتها، إذن لاهتدت الإنسانية إلى أسرار عظيمة وعلمت ما ليس لها إلى علمه سبيلاً.
ومن فرحة العطاء وبهجة المنح، اعتقد نوربرت أنه قد أخذ قدر ما أعطى، ومنح قدر ما وهب، وأن كلاً منهما قد نقل شجرة الحب من فؤاده إلى أعشار قلب صاحبه.
ولكن تلك لم تكن الحقيقة، فإذا كان الفتى قد أعطى فيولا حبه، فإن الفتاة إنما أعارته فقط حبها، وقيدت هذه العارية في سحل من سجلات قلبها، وقد فعلت ذلك وهي لا تدري، وظل به هو جاهلاً، وهذا سبيل السعادة العظيمة المتألقة المشرقة التي نمت بينهما وفرعت أغصانها.
وكانت خطبات الزواج في عصرهما الذي عاشا فيه لا تتم بالسرعة التي تنتهي بها اليوم فأطاعا آداب العصر وتقبلا شرائع الجيل، وظلا سنتين رفيقين يمشيان جنباً لجنب ويداً في يد، وذراعاً مشتبكاً بذراع، وفي خلال العامين ظلا يتكلمان على فيض من البلاغة، وسحر من البيان، عن سلطان الحب.
ومضى يقول هلا: يا لك من فاتنة ساحرة رائعة!
ومضت تقول له: ويا لك من قوي شديد السر، إني أحبك لطول قامتك وقوة ذراعيك!.