للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تجري فيهن الحياة والروح، ولم يكن هناك قانون يمنع الناس من هذا الأذى والجرم العظيم، كما لا يمنع الإنسان من رمي الكلاب الصغيرة في اللج والماء، وإذا نحن أردنا الآن أن نبحث في التأثير الذي مهد له الإسلام في اعتبار المرأة فعلينا أن نبحث في المكان الذي بلغت إليه المرأة المسلمة إبان حضارة العرب وفي العهد الذي تقدمت فيه مدنية الإسلام، وقد أثبت المؤرخون أن النساء كن يشغلن في الحياة مكاناً لم تبلغ إليه نساء أوروبا العظيمة إلا بعد قرون عديدة، لما انتشرت مبادئ العرب وفروسيتهم وأخلاقهم العظيمة في معاملة النساء عن طريق إسبانيا والأندلس يوم فتحها العرب وبثوا حضارتهم في المشرق والمغرب، فإن سكان أوروبا إنما استفادوا من العرب مبادئ النجدة وأخلاق الفروسية والاحترام العظيم للنساء الذي سنته تلك المبادئ ونصت عليه أخلاق الفرسان وتعاليم الشهامة والنجدة فالإسلام لا المسيحية كما وهم الناس عامة، هو الدين الوحيد الذي رفع المرأة من وهدتها الماضية فبلغ بها إلى المكان الجليل الذي تنعم به اليوم في العالم، فإن سادات أهل القرون الوسطى - وكانوا بالمسيحية مستمسكين - لم يروا للمرأة نصيباً من احترام ولم يعترفوا لها بمكان ولو أنن ألقينا البصر على تواريخنا القديمة لزال كل شك في حقيقة هذا الأمر فقبل أن يتمكن العرب من تعليم المسيحيين معاملة النساء بالحسنى وتلقينهم مبادئ الرفق والإحسان إليهن، والعمل على احترامهن كان الفرسان الغلاظ الأكباد في عهود الإقطاعيات في بلاد الغرب يسيئون إلى النساء أكبر إساءة ويعاملونهن أغلط المعاملة. وقد أظهر لنا التاريخ كيف كان مكان النساء وكيف كان الرجال يعاملونهن في عهد شارلمان، بل وكيف كان شارلمان العظيم نفسه ينظر إليهن إذ ذكر المؤرخ جاران دي لوهران أن شارلمان - ذلك الملك الكبير - في محاورة وقعت بينه وبين أخته نهض متوثباً عليها فأمسك بها من جدائل شعرها وجعل يضربها ضرباً مبرحاً حتى كسر لها ثلاث أسنان بقفازاته الحديدية التي كان يغطي بها يده ولا ننكر أنه تلقى منها الدفاع عن نفسها عدة لكمات طيبة، فإذا كان الملك شارلمان العظيم في عهد غير بعيد من تاريخ الدنيا قد أتى هذا الأمر الإد المنكر الدنيء، فإن الحوذي العصري وسائق المركبة في هذا الزمن يأنف من ذلك ويروح أكثر رفقاً بامرأته وأخواته منه.

وخلف بعد العرب خلف أضاعوا تلك الحضارة المشرقة الجليلة وضعف بذلك مكان المرأة،