فقلت في نفسي ايه أيها الفم المليح بل أيها الجرس الحلو. شنف بهذه النغمة الرخيمة مسمعي ما غرد في الأيك عصور! فما أحبها إلى نغمة وما أثلجها لصدري وأنداها على كبدي أقول قلت ذلك في نفسي ولم أقله بلساني لجهلي بالألمانية أولاً ولشدة ارتباكي وهيبتي ثانياً. فلم أزد على أن خجلت واصطكت قدماي ورفعت قلنسوتي وانحنيت بهيئة تدل على الحمق المفرط ثم ملت إلى الباب فاستلمت الحلقة أقلبها.
ثم دخلت فوجدت المسيو موسى والمسيو سليمان في غرفة النقود وسليمان هو ابن موسي وشريكه فقضيت معهما حاجتي فأما كونهما خدعاني وغشاني فهذا من البديهيات. فإنه لا غنى لليهودي المرابي عن الغش أبداً - ولو لم يكن إلا من أجل درهم - أأقول من أجل درهم كلا من أجل دانق - من أجل سحتوت إنه ليغشك أولا في تحويل ورقتك. ثم في أبدال فضتك ذهباً. وأنه وإن أولم لك بعد ذاك وأدبك إلى خوان حافل فإنما يصنع لك ذلك كي يسرق ساعتك أو كيسك وما كان ليرغب عن هذا ولو كنت أباه أو أخاه.
إن موسي وابنه الآن في السجن كما خبروني حينما كنت في مدينة بون عام أول. ولا أكذب الله شد ما خفق قلبي إذ مررت بالبيت الذي فيه رمتني لحاظ منا.
وليقل القائلون ما شاؤا فمذهبي أن المرأة التي كنت تعشقها حيناً ما فمهما صحوت عن حبها وأفقت من غرامها فلن تزال تنزل من حشاك منزلة لا تكون لغيرها. مثل هذه المرأة إذا دخلت علي في مجلس صبغت وجنتي وهاجت صبوتي. فرنوت إليها مرتاحاً. وانجذبت نحوها ملتاحاً هذه المرأة هي التي كنت تهوى وتعشق. وتخب إليها روحك وتعنق. هي هى. وليست هي. هاتان عيناها اللتان كنت تهوى. ولكن أين ذلك النظر الفاتر واللحظ الساحر هذا هو الصوت الذي كنت تحب. ولكن أين المنطق الشهي. وحديث هو الزهر الجني. مثل هذا كمثل غرفة كان بها ليلة عرس وحفلة أنس أشرق بهاؤها. وسطع ضياؤها. وضحكت زهورها ورقت ثغورها. ثم أصبحت فإذا هي قد ذبلت نضرتها. وصوحت زهرتها ونضب ماؤها. وغاض رواؤها. ومثله كمثل دفتر أموال كان فيه من الورق مقدار خمسة آلاف فذهبت تلك الأوراق. والدفتر باق. تراه فتذكر متاعاً مضي. وخيراً تقضي. وكنزاً فنى. وذخراً تولى ثم تأخذك للدفتر المسلوب رقة ورأفة وتعطفك عليه إيما عاطفة. ولا يسعك أن تنظر إليه نظراتك إلى غيره من الدفاتر العادية وكيف وما ينفك