للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الجسدية العنيفة.

وانتهاك القوى الذهنية لا يمكن إزالته بانتهاك القوى البدنية، ولا يعقل أن كد الدماغ ينفيه كد الجسد. ولكن التمرين البدني المعتدل قد يعين على تجديد القوى الذهنية بإصلاح الدورة. أما التمرين العنيف فإنه يزيد الطين بلة.

من العجيب أن ترى الكثيرين من الناس يتحامون الإفراط في الشراب ويتحاشون البطنة والكظة خجلاً واستحياء ثم لا يستحون بعد ذلك من رذيلة الإفراط في العمل وانتهاك أذهانهم وأبدانهم في الكد والكدح. إنهم يأنفون ويستنكفون أن يقتلوا نفوسهم سكراً ول يأنفون أن يقتلوها عملاً وكداً.

وقد كان من الواجب على المرء أن يرى من الخزي والعار أو على الأقل من الإساءة والأذى لأسرته وأصحابه أنه لا يزال يلقاهم بذهن مكدود وبدن منهوك وروح ضجرة ونفس برمة ووجه عابس عليه قترة الهم وظلمة الكدر. ولسان معتقل بأصفاد التعب والضجر. فإن لأخوانه وأهله عليه حق التودد إليهم والضحك في وجوههم والإشراق عليهم بنور الإنس والطلاقة والبشاشة. وإرتاعهم من أخلاقهم مرتعاً معشباً نضيراً. وإيرادهم من سجاياه مورداً عذبا نميراً. وهذا لا يتأتى لرجل متعب مجهود قد نكس الهم رأسه. وصعد القلق أنفاسه. وكيف يجود للناس بأسباب السرور من هو منه مسلوب. ويفيض على الناس بالأنس من هو منه محروم. وكيف يجني من الشوك الثمار أو يجود الجهام بالديمة المدرار.

هذا واجب على كل امرئ لأهله وخلانه فهو دين لهم عليه ينبغي سداده في مواعيده أعني كلما لاقاهم وصادفهم. فإذا كان لا يزال كلما لقيهم عبس وأطرق تسخط وتبرم كان بمنزلة المدين الدائم المماطلة، والغريم المدمن المراوغة والمطاولة.

والآن نأخذ في فحص أهم أسباب الضجر وعلاجه فنقول: من أهم هذه الأسباب شدة اشتغال ذهنك بواجباتك وأمالك فإذا اضطجعت لتنام وأصابك الأرق - وهذا الأرق يلحق بك القلق والضجر، إذ تقول لنفسك أنه لا بد لك من ثماني ساعات من الراحة وأنه قد دقت الساعة الواحدة بعد منتصف الليل ولم تغمض عينك فلعلك لست نائلاً من الثماني الساعات الضرورية لحفظ صحتك إلا أربعاً أو خمساً وفي الصباح نقول: يا لها من ليلة! لم تذق عيني فيها الغمض إلا بعد الساعة الثانية، ولم يطرف جفني بعد الساعة السادسة. فكل ما