أجل لقد كنت توقى كل هذه الغصص والكرب لو أنك أدركت أنه لا ضير عليك من السهاد وأنك واجد عوضاً عن النوم مجرد ضجعتك واستلقائك واستراحة أعصابك واسترخاء أعضائك. تحت ظلال الليلة الندية الساجية. ومشتملاً برداء ظلمتها الفاحمة الداجية.
أما من حيث المشاحنات الأسرية. والمشاجرات المنزلية فقد كان جديراً بك أن لا تجسم من شأنها صغيراً. وتعظم من أمرها حقيراً. وخليق بك أن تدرك أنها زمجرة ليس وراءها صاعقة. ودوي أوتار ليسه معه سهام مارقة. ولو كان غير ذلك شأنها لما بقي على ظهر الأرض أسرة ولأقفر العالم من الدور الآنسة والمنازل العامرة وعاش كل امرئ بمعزل عن سائر الناس محتجباً في بردته. ومستكناً في جلدته. كأنه السلحفاة أو المحارة. ولكن الواقع خلاف ذلك وما هذه المشاجرات المنزلية إلا كسانح طيف أو سحابة صيف. وكم مئات من هذه المشاجرات مرت بك فلم تأخذ منك إلا كما تأخذ الرياح من أطراف الجلاميد. وأنفاس الملاح من مرآة الحديد. وما هي إلا بضعة أيام حتى تصبح المشاجرة في نظرك حديث فكاهة كلما ذكرته ضحكت منه وسخرت.
وإنك إذا نظرت في أسباب معظم هذه المشاجرات المنزلية وجدتها ترجع إلى مصدر واحد - وهو استبدادك على أفراد أسرتك وحكمك عليهم أن يخضعوا لميلك وهواك في كل شيء، فيكونون معك بلا رأي ولا إرادة كاللعب في يديك تحركها كما تشاء ولا شك أنك في هذا لظالم جائر. فإن كان نظرك أصدق من نظرهم فيما تأمرهم به، ورأيك أصح من رأيهم فدعم وشأنهم لا يلبثون أن يهتدوا إلى هذه الحقيق فيأخذون برأيك وينحون منحاك. وإذا لم يفعلوا فحسبك أنك منحتهم نعمة الحرية التي ليس فوقها نعمة، وخليت بينهم وبين لذاتهم وشهواتهم فملأت صدورهم مسرة وطرباً. وهذا وحده خليق أن يولد فيك حالة عواطفية حسنة (أعني أنه يبعث فيك السرور والجذل.
ولا يزال الضجر مصحوباً بنوع ما من العاطفة (أي الانفعال) والعاطفة أي الانفعال النفساني هو قوة كامنة - هو بخار مخزون لا بد له من أيجد منفذاً ومخرجاً فإذا هيء له هذا المخرج بطريق العمل والحركة فلا ضير منه ولا بأس. وإذا لم يفعل ذلك فإن هذا البخار لا بد أن يحدث انفجاراً فينسف شيئاً ما في ناحية ما وبكيفية ما فإذا لم يحدث ذلك الانفجار بالفعل فإن هذه القوة العاطفية الموجهة في غير وجهتها قد تحدث حالة من القلق