للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الأكبر فكان مثلهم مع ذلك الأستاذ كمثل رجال قائمين وسط زحام يصغون إلى خطبة واعظ قد قام على ذروة عالية ينثر مقاله على جموع محتشدة وهو من مكانه الرفيق يشرف على فضاء فسيح ومتسع رحيب بينما أولئك الرجال لا يبصرون إلا ما جاورهم ولاصقهم ولا يفهمون ما قد كمن في غضون كلمه وتضاعيف ألفاظه في المعاني العميقة. والمغازي الدقيقة. والأغراض الخفية. والمرامي القصية. ولا يدركون ماهية الجمع المصغي إلى خطابه فلا غرو وإذا رأيتهم قد شرعوا يوفقون بين كلمات ذلك الخطيب وبين قاصر علمهم ومحدود رأيهم في موضوع مطالب النوع البشري ورقي العالم الإنساني. أولئك الرجال قد غاب عنهم أن تعاليم الأستاذ عامة شاملة في طبيعتها وكنهها وينقصهم مع ذلك ألمعية النبي وتوقد لوذعيته واتصال روحه بينبوع الوحي الفياض - فلا جرم والحالة هذه إذا رأيتهم قد نسوا أن النبي إنما كان يلقي خطابه في ذروة طود عبقريته على العالم أجمع. وأولئك الرجال قد خلطوا بين المؤقت والدائم ولم يفرقوا بين الخاص والعام. وكما حدث في الكنيسة النصرانية كان كثير من أولئك الأئمة المسلمين خداماً للملوك المستبدين الجبابرة الذي كانت أغراضهم وغاياتهم لا تتفق مع وصايا الأستاذ (النبي) وأوامره. فكان أولئك الملوك يضطرون الأئمة المذكورين إلى استحداث القوانين والنظريات واختراع الأحاديث والروايات المنافية لروح الدين وإلى تأويل كلمات الوحي بما لا ينطبق على مغازيها الحقيقية ومن ثم ما نراه من أن معظم القواعد والنظامات التي تخضع لها عقائد الكثيرين من حضنة الإسلام اليوم لا يكاد يصخ القول بأنه مشتق من تصريحات الكتاب الحكيم (القرآن) بل أغلبه مستمد من كتب الشريعة التي غص بها العالم الإسلامي في القرون الأخيرة كما أن العبرانيين انصرفوا عن توراتهم إلى التلمود فكذلك انصرف المسلمون عن القرآن إلى آراء العلماء ورواياتهم. ولا نعني بهذا أنك إذا سألت مسلماً عن الكتاب المشتمل على أوامر دينه كان جوابه شيئاً خلاف القرآن ولكنا نعني أن القرآن ليس بالفعل مصدر التعليم التي تقوم عليها معتقداته وتصرفاته.

وفي أثناء القرون الوسطى كان المرجع الذي يعمد إليه للفصل والقضاء في مسائل الدين المسيحي ليس هو العهد الجديد (الإنجيل) ولكن كتاب سوماتيولوجيكا تأليف توماس أكويناس وهذا هو الحاصل في هذه الأيام فإنك لا ترى الرجل النصراني الصحيح المذهب