للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

من وراء الغيوم يظهر بطلوعها الوف من الأشياء المتوارية. ومعلوم أن الشمس لم تخلقها لأنها كانت حيث هي من قبل وإنما أنت لم ترها قط. وهكذا كل جمال الأرض أمامك تراه إذا اهتممت بالنظر إليه واستخدام ضياء شمس أفكارك عند الحاجة إليه.

إذا أدخلت نور الشمس إلى غرفة سوداء لا تمتص حيطانها منه إلا قليلاً فتبقى مظلمة قابضة مهما كان النور في الخارج أبيض ناصعاً. وعلى الضد من ذلك الغرفة البيضاء فإنها تزهو وتلمع في ضياء الشمس فتنير ولو كان الجو أقتم فإذا أردت أن تجعل عقلك محزناً لضياء الشمس العقلي وجب عليك أن ترفع من أولاً كل الأفكار المظلمة وتستبدل بها أفكاراً سارة مضيئة لأن المرء ينبغي أن يكون حارساً على أبواب عقله ويقبل ما يريده من الأفكار ويرفض مالا يريده.

إن من الامتيازات التي خص بها الإنسان هو أن ينشئ لنفسه متى أراد جنة أرضية بإيجاد أفكار نيرة تضيء حياته. يظن بعض المحدثين أن السماء وجهنم مسائل فكرية أعني أن السماء هي من عمل الفكر النير وجهنم من عمل الفكر المظلم ومهما يكن من بعد ذلك عن دلائل الكتب المنزلة فإن فيه دليلاً على ما يجب على الإنسان أن يكون. فإذا سمح المرء لليأس والحزن بالدخول إلى باحة بيته العقلي وطرد الرجاء والقناعة يخطئ خطأ بيناً. الذي يستولي على قلبه الحب يرى العالم جنة مزدانة بالزهور مؤرجة بالعطور فإذا جاء يوم السوء سمت نفسه وارتفعت ووطأ العالم بقدميه ولا يرضى أن يبدل بحاله حال الملوك لأن الملوك يحسدونه على ما هو عليه إذ ليس لهم ماله. وهذه الحال العقلية أوجدها هو لنفسه وهو قادر على إيجاده في أي وقت شاء.

وإذا قيل إما من علاج لداء التشاؤم قلت بلى لكل دواءٍ دواءٌ والعقل مسود بالأشياء التي يعيرها اهتمامه فإذا قصر المرء فكره على العمل فقد عمي عن كل المؤثرات المحيطة به وإذا مال كل الميل إلى الموسيقى أو إلى التأمل في صورة جميلة فمهما حدث حادث في الخارج لا يؤثر على أفكاره. الولد الصغير وهو عائد إلى منزله مساءً يصفر تشجيعاً لنفسه يريد بذلك أن يستبدل بالخوف الذي يغشاه الشجاعة التي يحدثها الصفير فإذا شعر المرء بالانحطاط عليه أن يطرده بالأفكار المنيرة لأن الرجاء يزيل الخوف والأمل يحدث الشجاعة.