للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

١

خطاب من مازيني إلى مسز كارليل

صديقتي العزيزة:

لم أجد سبيلاً إلى الكتابة إليك أمس كما كان في نيتي لوفاة زوجة صديقي بتروسي. لقد كانت حزينة لدى والموت ولكنه حزن معافى من العيوب بريء من النقصان، وهكذا ينبغي أن يكون حزنك وهذا ما أريده بك، بل هذا ما يبتدر إليك ويستبق نحوك لو عملت الروية لحظات وجلت هنيهات في مضمار الفكر وقد أحاط بك اليقين وانبعث في صدرك الإيمان. إن الأفراح والآلام وإيماض الآمال ببروق النجح وانقشاع غبرتها عن الخيبة هي - كما تعودت أن أقول - مثل الأمطار وضوء الشمس لا بد للمسافر أن يلاقيها في طريقه، فلنحمد الله ولنشكره إذا طلع علينا أضواء الشمس، ولنشتمل في بردتنا ونوثق عراويها ونضم أزرارها إذا حل علينا الغيث نطاقه وأرسلت السماء أمطارها، ولا يخامرنا الشك أو يداخلنا الريب في أن سقوط الأمطار أو لشروق الشمس أدنى تأثير على نهاية الرحلة المنشودة، ومثل هذا لا تسقط دونه معرفتك ولا يعزن عن علمك ولكنه يعوزك يقين يعمر قلبك ويهبك القوة على النهوض بما يوحي به إليك فكرك ويرد إلى فسك ذلك اليقين من إضمار المحبة للناس والانطواء على المودة لهم وقد يخلص لك إذا أشرقت في مدجيات أحزانك أنوار الإيمان الديني وربما يسلس لك القياد ويعطيك الليان إذا أنت فكرت فيمن مات من الأحباب والأصدقاء ونشرت مطوى أخبارهم وجددت قديم ذكرهم، وأنت تعرفين كلفي بك ونزوعي إليك فلا تصوحي مني أزاهير اليقين ولا تنضبي فيّ ينابيع الرجاء ولا تكوني عليّ حرباً فكفاني مساورة تلك الأضاليل التي تحف بي من كل جانب وتطالعني من كل مرقب وتميل بنفسي إلى ناحية الهاوية السحيقة ولا تزيدي نفسي حزناً ولوعتي اتقاداً بسوء أسوتك وشر قدوتك وبما يبدو عليك من شواهد المادية ولوائح الأنانية، وإن عهدي بك راسخة العقيدة ناصعة الإيمان فلماذا لا تحضرك خاطرة أن الله أراد بهذه الحياة الفانية أن يبلونا وأنه عما قليل سيقيمنا في ظلال راحته ويبسط فوقنا جناح حنانه إذ لك والدين وإن كانا الآن بعيدين عن منال الإحساس مرتفعين على متعلق المشاعر فلم لا تفضين إليها بذات صدرك وتناقلينهما حديث أشجانك فإن لحظة واحدة تستغرقينها في مناجاتهما لأجدى عليك من