للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الانفعال تبعاً للخطابات التي كانت تتسلمها وفي صبيحة يوم لما تولي ميعاد تناولنا الإفطار صعدت إلى مخدعها وطقت الباب فلم يجبني أحد ففتحت الباب فلم أجد أحداً في المخدع ثم رأيت على المدخنة خطاباً باسمي ففضضته وقرأته وحفظته معي لأطرد عن نفسي الأيام المقبلة كل خاطره فرح وسانحة سرور وهذا نص الخطاب: - إلى رينيه

يعلم الله يا أخي أنه قد طالما وهبت لك حياتي لأطوي عنك فترة من فترات الألم ولكن لأقول نجم الحظ لم أوفق إلى طريق إسعادك ولم أهتد إلى سبيل الترفيه عنك وإني أرجّي أن يكون من ذلك العجز الواضح شفيع لديك وعذير إليك إذا أنا تلمست الخلاص منك وركنت إلى الفرار كمن قارفت ذنباً أو ارتكبت إثماً فليس لي يدان بدفع توسلاتك وقد حم الرحيل وأظل الفراق وقد جاء الوقت الذي ألبى فيه النداء المهيب الذي كان يتصبب في أذني من نواحي السماء مهيباً بي. لماذا تريثت إلى الآن؟ وأنت تعرف يا رينيه جنوح نفسي من عهد الحداثة إلى الحياة الدينية وقد كنت باقية في الحياة من أجلك فافسح لي فناء العذر فقد أدتني الأحزان لمفارقتك وإني في هذه الأيام يا أخي العزيز لأدرك من صميم نفسي وأشعر من أعماقها بضرورة هذه الملجئ التي أعهد فيك الأعراض عنها والأزوار عن جانبها وإن هناك من أفانين الشقاء وألوان المصائب ما يسوقنا إلى اعتزال الناس وإذا الناس وإذا لم يكن هناك تلك الأديار فإلى أي ركن كان يلجأ الهارب وفي أي ظل يحتمي وأكبر ظني أنك تلقي يا أخي العزيز الراحة المنشودة في تلك العزلة الدينية فليس في الأرض منزل يليق بكرامتك والناس أنذل وأقل قيمة وأقل قيمة من أن تعايشهم وهل تطن أن هناك شيئاً أكثر مجلبة للاحتقار أو مدعاة للأهوان من أدامة التفكير في ترك الحياة ورفضها وإذا كان إنسان له سجايا كسجاياك وطبائع كطبائعك يجد الموت سهل المساغ عذب المور فماذا تظن بحاجة أختك إلى الموت وتعلقها بالموثق فإني أعرف وفاءك وصدقك وقد أقسمت أنك ستعيش من أجلي ولكن يا عزيزي رينيه العزلة جانباً واخرج من أفيائها إلى مضاحي العمل وأبحث عن وظيفة لك وإني أعلم إنك تبتسم ابتسامة مرة معلقاً بأطرافها السخر من مجاري الأحوال في فرنسا وتزهد في الالتحاق بوظيفة ولكن لا تحتقر تجاريب آبائنا وحكمتهم في الحياة فقد كان نفعهم عمماً وخيرها شاملاً وكانت أقل من غيرها تعطيلاً لمصالح الناس وإضراراً بهم واتبع أسلوب الحياة الذي يعيشه أكثر الناس لتكون