من قديم: كل هاتيك ألا ترينها كانت معازف أصلح لك أنت أيتها العازفة المعتوهة التي اسمعها في هذا الشهر، شهر الشآبيب المنهلة والخمائل والأزاهر الموصوصة - أسمعها تحتفل بعيد الشيطان منشدة أسوأ من نشيد الشتاء، خلال النوار والبراعم والأوراق المرتجفة. أنت أيتها الممثلة المبرزة في كل أصوات المأساة. أنت أيتها الشاعرة القديرة المتحمسة إلى حد الجنون! عما تحدثين تحدثين عن هرب الجيش المهزوم بما فيه من تأوهات المدعوسين والمثخنين بالجراح - في آن واحد يتأوهون من مضض الكلوم ومن كلب البرد. ولكن انصت - هذه فترة سكون عميق! وكل هذه الجلبة التي كانت كأنها لملأ هارب بما فيه من تأوهات وارتعاد مقضقض - كل هذا انقضى فإنها تقص الآن أسطورة أخرى بأصوات أقل عمقاً وأخفت جرساً، والأسطورة أقل رعباً من سابقتها مشوبة من بهجة التصوير بما يطأ من من هو لها، كالتي صورها الشاعر (اتواي) نفسه من أنشودته الرقيقة فهي أسطورة طفلة صغيرة في مجهل منعزل لا يبعد عن السكن ولكنها ضلت طريقها فآونة تئن في خفوت من لأسى المر والفرق الأخرى ترفع عقيرتها بالصياح في أمل أن تسمع أمها.
(٨)
انتصف الليل ولكن قل أن مر في خاطري خاطر اليوم. وأني لأسأل الله لخلّي أن ينر احياؤها نظائر هذه السهرات. فلتطرقها أيها الكرى المدمث المترفق ولترف عليها بأجنحة شفاء وعافية. ولتكن هذه العاصفة على حد المثل القائل تمخض الجبل فولد فأرة، ولتتدل الدراري كلها مؤتلفة على سكنها، مستقرة شاخصة كأنها تسهر على حراسة الأرض النائمة. ولتنتبه خلّتي وقلبها الممراح الطروب وتصوراتها الزاهية المبرقشة وعيونها الطافطة بالبشر، وليسبح الابتهاج بروحها إلى فراديسه العليا، وليدوزن الابتهاج صوتها طبق أنغامه الحلوة ونبراته المستعذبة ولنحي لأجلها كل الأشياء قاطبة من قطب إلى قطب إذ حياتهن مجال تدويم لروحها الحية. إيه أيتها الروح الناصعة الطويلة التي ترشدها السماء وتهدى خطواتها الفانية المعبودة. يا أروع خلة اصطفيت أسأل الله أن تغتبطي وتطربي دواماً وإلى أبد الآبدين.