للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مقدم المركب فيطعنون مركب العدو به فلا يلبث حتى ينخرق فينصب فيه الماء فيغرق - ومن تلك الحيل أنهم إذا جن الليل لا يشعلون في مراكبهم ناراً ولا يتركون فيها ديكا وقد يسدلون على المراكب قلوعاً زرقاء، فلا يرى العدو مراكبهم التي يشبه لونها لون الماء أو السماء. فسبحان الملهم من يشاء ما يشاء، ويخلق ما لا تعلمون لا إله غيره.

* * *

أما رآسة الأساطيل فقد جعلوا على كل أسطول قائداً ورئيساً فالقائد يدبر أمر سلاحه وحربه ومقاتلته، والرئيس يدبر أمر جريه بالريح أو المجاذيف ومعرفة مسالك البحر وطرقه بواسطة الرهنامج وبيت الابره التي هي مبتكراتهم ولم يسبقهم إليهم سابق فيما علمنا. أما النظر في الأساطيل كله فيرجع إلى أمير واحد من أعلى طبقات المملكة يلقبونه أمير البحر أو أمير الماء.

مدينة المرية

أما مدينة المرية فهي من مشهور مدائن الأندلس، وهي على ساحل البحر الرومي كما اسلفنا، وفيها دار الصناعة، ويربض فيها الشطر الأكبر من الأساطيل الأندلسية، والشطر الآخر يربض في مدينة بجاية - وهي واقعة بين جبلين، فعلى الجبل الواحد قصبتها المشهورة بالحصانة وعلى الآخر ربضها والسور محيط بها وبالربض، وفي غريبها ربض له آخر يسمى ربض الحوض، ذو فنادق وحمامات وخنادق وصناعات، وقد استدار بها من كل جهة حصون مرتفعة وأحجار أولية وكأنما غربلت أرضها من التراب، ولها مدن وضياع عامرة متصلة الأنهار، وطول واديها أربعون ميلاً في مثلها كلها بساتين بهجة وجنان نضرة مطردة وطيور مغردة وتشتمل كورتها على معدن الحديد والرخام - وبها لنسج طرز الحرير ثمانمائة نول وللحل النفيسة والديباج الفاخر ألف نول، وللثياب الجرجانية والأصفانية كذلك - ويصنع بها من صنوف آلات الحديد والنحاس والزجاج ما لا يوصف، وقد علمت أنه لا يوجد في بلاد الأندلس أكثر مالاً من أهل المرية، ولا أعظم متاجر وذخائر - وبها من الحمامات والفنادق نحو الألف وفاكهة المرية يقصر عنها الوصف حسناً - وفيها كثير من العلماء والأدباء والفلاسفة.

وجملة القول أن المرية هذه كما رأيت تزخر بالحياة زخراُ، وتنطق بنشاط المسلمين