للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

بأسره، على أن نبي الناصرة (عيسى عليه السلام) لم يستطع أن يقدر مسألة الزواج حق قدرها عامة وكذلك شاعت سنة تعدد الزوجات وفشت وسادت، حتى جاءت قوانين حوستنيان فأبطأتها وحرمتها ولكن أمر تحريمها في تلك القوانين المدنية لم يحدث أي تغيير في أخلاق الشعب ومبادئ الآداب عندهم فظل تعدد الزوجات باقياً معمولاً به متبعاً حتى جاءت مدنية المجتمع المتحضر فقطعت بتحريمه، وحكمت عليه بالموت.

وكانت الزوجات عدا الزوجة الأولى التي بنى الرجل بها قبل الأخريات في شر حال وأسوأ عيشة، سلبية الحقوق، لا تنعم بشيء من تلك الرعاية التي ترعى القوانين بها حق الزوجة الأولى، عبيداً أرقاء، مستهدفات لتقلب الزوج، رهائن أوهامه، غرضاً لمنازعه وأهواء نفسه، وكان أطفالهن يوسمون بمسم الزنا، ويدعون مزنمين، ويحرمون من حقهم في إرث أبيهم، ويعاملون كأنهم طرائد المجتمع متمردين منبوذيتن من صفوفه.

ولم يكن التمتع بعدد من الزوجات شرعيات وغير شرعيات مقصوراً على طبقة النبلاء والأشراف بل لقد كان كثيرون من رجال الدين يتناسون العهد الذي عاهدوه والقسم الذي اتخذوه من البقاء في العزوبة والتحرج من الأزواج فيرتبطون بزيجة أو زيجتين شرعيتين أو غير شرعيتين، والتاريخ يدل على أن تعدد الزوجات لم يكن في نظرة الإنسانية محرماً غير جائز كما هو اليوم بل أن القديس اوغستين نفسه لم يكن فيه شيئاً من الإثم أو المعابة أو مخالفة نواميس الآداب واعترف بأنه لا يعد جريمة إذا كان سنة مقررة في بلد من البلدان وقرر المصلحون الدينيون من الجرمان في القرن السادس عشر صحة الزواج بامرأة ثانية أو ثالثة بجانب الزوجة الأولى لأسباب كثيرة منها العقم وقلة النسل.

ونحن نرى كثيرين من العلماء الدينين يعترفون بأن ليس في تعدد الزوجات أي مخالفة لقواعد الآداب وأن عيسى لم يحرم التعدد تحريماً قاطعاً ولم يقل بمنعه منعاً باتاً ومع ذلك يقولون بأن فكرة الفردية في الزواج لم تعم في الغرب ولم تنتشر إلا بفضل التعاليم التي بثها الجرمان أو أهل الدولة الرومانية الشرقية في تضاعيف المسيحية ولكن هذه الفكرة الأخيرة تخالف الواقع والتاريخ ولا أثر لها من الصحة. إذ لم يقل باستمساك الجرمان بسنة الاقتصار على زوج واحدة غير واحد أو اثنين لا تصح شهادتهما ثم لا ينبغي أن ننسى الغرض الذي من أجله وضع المؤرخ تاسيتاس كتابه في في آداب الجرمان فقد كان كتابه