أن رأته أمامها وتبينت ثم رجلاً قزماً شيخاً في ثوب بال عتيق يحمل حذاءيه في يديه غير منتعل وهو يخرج نوراً أصفر براقاً. فجعل ينزل مدارج السلم بخطى ثقيلة بينة الوقع فعزمت السيدة أن لا تكاشف أحداً من أهل البيت بالأمر ولكن مرضعاً في الدار لطفل من أطفال السيدة جاءت تصرخ وتصيح قائلة أنها رأت في البيت رجلاً عجوزاً مخيفاً وقد رأته وهي تنزل السلم إلى قاعة المائدة لتحضر قدحاً من الماء وشهدته عياناً وقد جلس إلى مقعد وجعل يخلع نعليه وقد تبينته من النور الذي كان معه لأنها لم تجد من اضطرابها وقتاً لإشعال عود الكبريت. فقام وزوج السيدة وأخوها بتحقيق الأمر فوجدا أن هناك تحت البيت قبواً أو مخزناً كان يؤدي إلى مغارة أو كهف يتصل بمياه البحر فدل ذلك على أن المكان كان معداً لتهريب البضائع. فقام الزوج وشقيق السيدة بتحقيق الأمر ومشاهدة ذلك القبو. وإذ ذاك رأيا أشنع منظر وشهدا أرهب مشهد. وجدا رجلين في صراع مخيف وشجار رهيب. وتغلب رجل منهما على الآخر فصرعه إلى الأرض وقتله ثم حمل جثته إلى الكهف وراح يدفن السكين في حفرة في الأرض. وكان الزوج هو الذي تمكن وحده من رؤية الرجل وهو يدفن السكين وأغرب ما في الأمر أن الزوج أخرج فعلاً سكيناً من أرض الكهف بعد ذلك. وشهد الرجلان بعد هذا الحادث القاتل يمر بهما فتبعاه ودخل قاعة الطعام فشرب كأساً من الخمر ثم خلع نعليه وحملهما في يده وصعد السلم ودخل حجرة من الحجرات واختفى. وكانت تلك الأفعال تحدث منه كل ليلة يرقبانه فيها.
فانتهى منهم البحث إلا الاستدلال على أن البيت كان يسكنه منذ عدة سنين إخوان جمعا ثروة طائلة من وراء التهريب وكانا يجمعان المال على نية المشاركة فأراد أحدهما الزواج فطلب أخذ نصيبه من الثروة ولكنه لم يلبث أن اختفى فجأة وأشيع عنه أنه ركب البحر في سفرة طويلة وأعقب ذلك أن الأخ الثاني لم يلبث أن جن. ولم يظهر سر اختفاء أخيه في حياته البتة وهنا نقول أن الحجرة التي دخل فيها الشبح كانت تحوي دولاباً لعله كان خزانة المال الذي جمعاه من تهريب البضائع. والغالب على الظن أن حمل الرجل نعليه في يديه كان باعثه أن القاتل يخشى حارس البيت ويخاف أن يسمع وقع أقدامه في هدأة الليل.
من هذه القصة نستطيع أن نتصور أنه في تلك المجالدة الأخوية المخيفة كان الرجلان في أشد ثورة العواطف حتى تركت أثراً في لوحة المكان الذي وقعت فيه. وهذا الأثر ظهر