للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

على منعه امتيازات ورسوماً وفرائض ليست منه إلا حجة تناقض ادعاءه الديموقراطية. وافتخاره بها، وإذلاله على الناس من ناجيتها. ولعمري ما أبدع رأى الأمريكان. وما أجمل نظريتهم. وهي أن الرجل من عامة الناس قد يثب من غمار الجماهير فيشغل من سمع الدنيا وبصرها مكاناً قد يساوي فقي عظمته مكانة أكبر ملوك الأرض. ويكون له من السلطان ما بين سلطان القياصرة والعواهل العظم والباباوات الكبار. فإذا أتم دوره ترك المكان لسواه. ومضي لا عطاء يتناوله. ولا معاش يتقاضاه. ولا وظيفة تجري عليه. وعاد إلى صفوف الناس موفور الكرامة. لا يطالب الدنيا من الاحترام إلا على قدر كفاءته الشخصية. ومواهبه واستعداده ومقدار عمله. وأسخف شيء وأحمقه. أن ترى رئيس الجمهورية. أو الرجل الذي كان يوماً رئيس للجمهورية بريد الناس على الاعتقاد بأنه أشبه بتقليد ملك. أو ملك (نصلبه) أو إمبراطور (ترسو) ولو فعل لكان أشبه بالقائد الروماني الذي أراد أن يعامل في الناس معاملة ملم من ملوك آسية الأقدمين. إذ ينبغي أن يعلم الناس أن يعلم الناس أن مكان الملك جد مخالف لمكان الرئيس درجة ومرتبة وشكلاً وصورة. ومن الحماقة نسيان هذه الحقيقة أو تناسيها. ونحن لا يهمنا أن تتقبل الشعوب الأخرى مبدأ الأمريكان ويرتضوه مبدأ طيباً لهم. وإنما أكرب همنا أن لا يحيد أمريكي يصعد مكان الرآسة، ويتربع في دست الولاية، عن ذلكم المبدأ، أو ينجرف عن هذا الرأي الجميل.

على أن الملك إيطاليا تلقاني بأكبر الحفاوة، وأنزلني أكبر منزل. فلما أعدت حفلة العشاء في القصر، والشيء يذكر بالشيء. اضطرتني الحال إلى أتن أستغل آداباً لم أستعملها في بلاط ملك آخر من الملوك الذين نزلت عليهم، وقد اجتهدت أن أترك قبعتي وأمشي إلى المائدة حاسر الرأس، عند ما تركت معطفي في الحجرة المجاورة لحجرة المائدة، ولكن لم ألبث أن وجدت قبعتي مردودة إلى. وقد تولي القوم الدهشة وأنكروا تلك الغفلة مني واستفظعوها ولم أدرك شيئاً نم ذلك. حتى رأيت الضيوف الآخرين قد أبقوا قبعاتهم فوق رؤوسهم، ففعلت فعلهم، ومشيت إلى المائدة بالقبعة فلما أقبل الملك والملكة، وقدمت إلى الملكة لآخذ بذراعها إلى المائدة، ظننت أنه يصح إذ ذاك أن تخلى عن القبعة، ولكن القوم أفهموني أنه ينبغي أن أمسك ذراع الملكة بذراعي، وأمسك في يدي الأخرى قبعتي، ولم أكن رأيت هذه الآداب من قبل إلا في حفلات اليهود في نيويورك وأعراسهم.