للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وكأني لم أرها ولم ألقها، غير اني لم ألبث بعد تلك البرهة أن أحسست بها فزجرتها وأمرتها بالخروج بأشد لهجة واعتقها فتهيأت للانصراف في الحال وتأهبت ولوت اكرة الباب للذهاب بعد أن أومأت بقبلة.

في هذه اللحظة دق الباب فنهضت مسرعاً وفتحت باب خزانة دولاب فخبأت فيها الفتاة ثم فتحت الباب فدخل صاحبي ديزينيه بصحبة فتيان من جيراني.

كان ديزينيه مشرق الوجه متهلل الجبين فشرع يداعبني قائلاً إن وجهي يدل على طول السهاد والأرق ليلة أمس ولما لم أكن بحال من الانشراح تسهل علي احتمال أمازيحه سألته بالله أن يكف عني غرب لسانه.

فلم يكترث لرجائي ولكنه أخذ بلجهة تهكمه المعهودة يشرح لي سبب مجيئه وهو ان حبيبتي لم تقتصر على عشيقين حتى عززتهما بثالث وأنها أساءت إلى خصمي بمثل ما أساءت إلي. وان هذا الخصم لما تبين الأمر ثارت ثائرته وأحدث هياجاً رنت له أنحاء باريز حتى أصبحت المسكينة بعد هذه الفضيحة مضطرة إلى مغادرة المدينة ما لم تكن قد أصرت على تعريض نفسها لفضيحة أعظم.

كل هذه التصريحات لم تزدني إلا كآبة إذ كانت ترمي إلي اتهامي بالغفلة والغرور والحماقة. فلم انبسط لصديقي ديزينيه ولم أهش لحديثه ولم ازد على افاضته في النصح الا تجافياً وانقباضاً وتجهما وعبوسا. ولكنه لم يحفل بحالتي ولم يكترث وتمادى في إيلامي وإيجاعي إذ كان قد عاهد نفسه على أن يتولى علاج دائي ليشفيني من علة الحب. ورأى أن ما له علي من حرمة الإخاء والصداقة قد اكتسبته هذا الحق بلا مراء.

ولم يكشف ديزينيه بتلك المعالجة القاسية المستديمة ولكنه حينما أبصر كربتي وخجلي طفق يضاعفهما جهد طاقته. ولكن شواهد الجزع تزايدت على صفحة وجهي بما زجره عن التمادي في قوارصه والوافحه حتى تبين خطأه فأمسك عن الخوض في هذا الحديث وكف عني قوارعه - وأخذ يلعب دوراً صامتاً ولكن هذا كان أسوأ لي وآذى.

فأقبلت أوجه له بضعة أسئلة واني لا تمشي في الغرفة جيئة وذهاباً والله يعلم أن هذ القصص الذي أداه لي عن حبيبتي كان من أوجع ما جرح مسمعي وامضه ولكني كنت مولعاً بإعادته وترديده. ولقد حاولت جهدي أن أكسو ديباجة وجهي قناعاً من الانشراح