للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يغضبون إذ يحاولون الانتقام من زعمائهم الذين وهموا وغلطوا شنع الأغلاط. ولا يجن جنونهم ولا يثورون طلباً لتجديد الحياة وتغيير أنظمتها الحاضرة، ولكنك إذا تحدثت إلى جمع من الجنود الذين سرحوا بعد الحرب، والعمال الذين أسهموا في ميادينها، وجدت لهم آراء وخواطر لا يمكن أن تكون وليدة عقول فارغة وأدمغة مجوفة سخيفة فإنهم لم ينسوا بعد شنائع الحرب، وهم يتطلعون إلى حياة جديدة غير هذه التي جلبت هذه الحرب المجنونة المعتوهة وإنك لتلمح منهم اشمئزازاً واستنكاراً للحرب ورغبة في إبطالها والحذر من وقوع مثلها ثانية لهم أو لأولادهم.

وعلى ذلك ترى روح المزاح والمجون والاستهتار آخذة بنفوسهم، مانعة لهم من التحمس لشيء من الإصلاح بتة، أو الغضب من شيء أو التمرد عليه، والشعب الانكليزي ينزوي من طلب الأمثلة الخيالية والمبادئ الاجتماعية الكمالية.

وهم أعداء كل شيء متطرف، شراً كان أم خيراً، وهذا ما يجعلهم غير مكترثين بما يقع في إيرلندة، إذ يقولون لأنفسهم: ما لنا ولهؤلاء الناس. لأنهم لا يفهمون ولا يحبون أن يفهموا هذا الولوع الجنوني الذي أخذ بلب الايرلنديين وراء الاستقلال وحكم أنفسهم بأنفسهم ولا يدركون هذا الأسلوب الجديد في الاستشهاد الذي اخترعه ماكس ويني المحافظ. ولا يعرفون هذا الطراز السن فيني في القتال والنضال، إذ يبدو كل هذا في أعينهم عملاً هستيرياً مهووساً غير لائق.

على أن الأخلاق الانجليزية القديمة أكثر ما تتجلى في الريف فسكان الريف على الرغم من جهلهم بالشؤون الخطابية والفنون الكلامية، ورغم بطء تفكيرهم وضيق بصائرهم، وحسر نظرهم إلى الحقائق، لا يزالون مستمسكين بالأخلاق القديمة، ولا تزال حكمة الشعب الانكليزي التالدة متأصلة في نفوسهم، وبفضل المؤثرات التي تبدو فيها قوانين الوراثة لا تكاد ترى عليهم شيئاً من الانحراف عن أسلافهم الانكليز الأولين.

ولئن كان قد استشهد في هذه الحرب شبان كثيرون، فقد رجع منها مجموعة طيبة كذلك لم تمت، وهؤلاء اليوم بيننا، وهؤلاء لم يفقدوا سجيتهم وخالقهم المتين، وإني لا أعتقد أن غرائز الشعب الانكليزي لم تطلق بتة من آدابها الأولى وإن قلب انجلترة على رغم ما ينتابه من المرض والضعف والتسمم لا يزال قوياً رفيقاً وإن الجماهير الانجليزية أفضل