ذاك أن ترى الشمس أدنى ما تكون إلى سنخ نفسها، ورحم الله من قال:
والنجم تستصغر الأبصار صورته ... والذنب للطرف لا للنجم في الصغر
كنت كلما سمعت أو قرأت لأحدهم أمثال هذه الكلمات. نحن إنما نجل سعد لأنه رمز أمانينا - لسنا عباد أشخاص وهلم جرا - يعروني لذلك امتعاض أليم، لأني لا أدري لماذا لا نجل سعد لذات سعد؟ وأي ضير علينا في ذلك؟ بل على العكس كل الضرر والسوء في عدم تقديس الأبطال لتلك البطولة التي هي ضرب من النبوة، والتي اختص الله بها هؤلاء الأبطال. ولكنها روح الإلحاد السائدة في هذا الجيل الكافر، والروح الارستقراطية المنكوسة الآخذة بنفوس الشرقيين، والتي هي سر ما نرى من معاني التخاذل والخلاف والشقاق - أقول أنه كان يعروني لذلك امتعاض شديد لم أجد له متنفساً إلا عندما قرأت كلمة الأستاذ وليم مكرم عبيد التي ألقاها في حفلة الموظفين التي أقاموها لإكرام بطلنا العظيم وقال فيها ما معناه على ما أذكر: إنا إنما نكرم سعد لا لأنه رمز أمانينا القومية كما يقولون بل لتلك الشخصية البارزة المتفوقة التي خص بها سعد: عندما قرأت هذه الكلمة ونظيراتها من بعدها سرّى عني وروّح، وأكبرت هذا الفاضل كل الإكبار، وقلت هكذا فلتحلل البطولة، وهكذا فليجل البطل البطل ولا جرم إن كان وليم مكرم عبيد نابغة من نوابغ مصر وبطلاً من أبطالها وذا عقل كبير وقلب أكبر ومثلاً أعلى يؤتى به، وجديراً أن يجعل حبه واحترامه لذلك شعاراً لنا ودثاراً. . تحيا مصر - ويحيا بطلنا العظيم - ويحيا كل من يحبه ويجله ويقدسه. . .
(٢)
التاريخ هو هو قصيدة الحياة الطويلة المطربة المشجية، وإلياذتها الحماسية المسلية وسفر أناشيدها المؤثرات، وتراتيلها المبكيات، وهو الرواية التمثيلية الكبيرة التي افتن في خلق أشخاصها فن السماء المبدع الفائق الذي يرسل لنا من وقت لآخر شخصيات من صنع الحقيقة أوفر بطولة وأعمق حكمة من كل مبتكرات الخيال وتلفيقات الأوهام ترتسم، في طبائعهم القوية الصافية ظلال تلك القوة الرهوبة الجانب المسيطرة على الكون - ويحيى هؤلاء الأبطال لتمثيل أدوار متعاقبة مختلفة الصورة متحدة المغزى فوق مسرح الحياة الكبير المخيف ذلك المسرح المشيد من الزمان والمكان والممتد بين الأزل العتيق والأبد