للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والإخلاص والإيمان يتسلط على من هم أحط منه وأدنى فيخضع أرواحهم بما هو أشبه بالتنويم المغناطيسي إذ تخشع أمامه هذه الأرواح وتطأطئ وتفقد قوة الدفاع إلا ما كان منها ينطوي على قسط من العظمة غير زهيد فهذا ينهض بجاذبية الشخصية العظيمة نحوها ويسمو إليها. وهذا هو ناموس الطبيعة العام فإن الأرواح العليا إذا عجزت عن أن ترفع إلى مقامها الأرواح السفلى شلت حركتها وخدرتها وأخمدت قواها كما يصنع الإنسان بالحيوانات السفلى. وكم رأينا من شخصية عظيمة كان لنا في قوة نفوذها وسلطانها مصداق ما لم نزل نسمع من حكايات السحر والسحرة. ولا غرو فإنك لا تبصر صاحب الشخصية الكبيرة كأنما يتدفق من عينيه تلقاء من حوله تيار نفوذ وسلطان - سيل من الضياء الثاقب يسري إلى الجماعة فيفشي فيهم مبادئه وأفكاره ويصبغ جميع الأحوال والحوادث بصبغة روحه وذهنه. ولما سئل مرة أحد الساسة (بأية حيلة استطعت أن تستميل خصمك وتحمله على ما قد أردت؟) أجاب (لم أستعمل حيلة سوى تأثير الذهن الأقوى على الأضعف) أوليس في طاقة يوليوس قيصر مكبلاً بالأغلال والسلاسل أن يتملص منها فينقلها إلى السجان؟

إن البطل ينفث روحه في كل من حوله وكل ما هو واقع في متناوله من الحوادث والأحوال هو كالمطر الغزير يحيي موات الأرض وكالعين النرة تترك الصحراء بستاناً. وإن روحه المتدفقة الفياضة تنفسح حتى تشمل أوطانه من أقصاها إلى أقصاها وتحدق بها إحداق السوار بالمعصم فتصبح هذه الأوطان له كأساس تقوم عليه شخصيته الهائلة وكميدان تجول فيه فيالق عزيمته وكتائب نفوذه وهمته.

هذا البطل إذا صادف ظهوره أوقات التطورات الاجتماعية والانقلابات السياسية كان له الأثر الأقوى في تعجيلها والإسراع بها إلى النضج والتكون فظهوره في هذا الوقت الحرج هو كتوافر الدفء المنعش والجو الموافق الملائم واصطلاح هذا وذاك على إنضاج الغرس وإزكائه وإيصاله إلى أقصى غاية الإنتاج والإثمار - فهذا الجو الملائم هو الواسطة الوحيدة لتحقيق هذا الغرض، ولن يقوم مقامه ولن يؤدي وظيفته كل ما يخترع الزارعون من وسائل الإنتاج الصناعية.

لقد جاء بطل النهضة الحالية - سعد زغلول - في عهد تطور وانقلاب ما زالت الأسباب