والتصوير والموسيقى والتشخيص المرسحي - هو الذي يولد من الألم لذة ومن الرعب إمتاعاً.
لذلك نقول أن الألم المحض والذعر البحت كان إحساس الفتى شارتكوف تلك الصورة العجيبة. ودنا ثانياً من الصورة ليتأمل تينك العينين المدهشتين فرأى مع الفزع الشديد أنهما تحلقان إليه. ما هذا والله رسم رسام ولا تصوير عن الطبيعة ولا تقليد للحياة بل الحياة بعينها - الحياة العجيبة التي قد تشرق في وجه ميت نشر من لحده. فأحس الفتى بنوع من الرعب أعجزه عن الجلوس وحده في الغرفة. فتحول عن الصورة وانتبذ ناحية منها وجعل يروض نفسه على عدم النظر إليها ولكن عينه استمرت من تلقاء ذاتها وعلى الرغم منه تنظر من طرف خفي إلى الصورة. وأخيراً ألصقه الرعب بموضعه وقيده عن السير في أنحاء الغرفة. وأحس كأن شخصاً ما سيطلع عليه من ورائه فجعل يتلفت حواليه وخلفه فزعاً مذعوراً. لم يكن شارتكوف جباناً ولا رعديداً ولكنه كان حساس الأعصاب والمخيلة ولم يستطع في تلك الليلة أن يفسر لنفسه ما اعتراه من الرعب والفزع ولا أن يتبين علته ومصدرها ثم إنه ذهب إلى ركن من الغرفة فجلس فيه ولكن خيل إليه بعد ذلك أن شخصاً ما كان يطل عليه من فوق كتفه وينظر في وجهه وكان نيكيتا خادمه نائماً في الغرفة المجاورة يغط في نومه، فلم يكن في تشخيره العالي ما يطرد مخاوف سيده أو يطمئن قلبه. وأخيراً نهض الفتى من مجلسه فسار منكس الرأس مغضي الطرف نحو سريره فدخل الكلة واستلقى على الفراش وأبصر من فروج الكلة فضاء الغرفة مستنيراً بضياء القمر والصورة معلقة على الحائط. فرأى العينين لا تزالان مصوبتين نحوه بنظرة أجد وأمضى وأرعب وكأنهما قد أصرتا على إدامة النظر نحوه وأبتا أن ترنوا إلا إليه. فلما كربه ذلك وغصه وضيق خناقه قام من فراشه وتناول ملاءة ثم تقدم إلى الصورة فغطاها من رأسها إلى قدمها.
ولما فعل هذا عاد إلى سريره فاستلقى على الفراش وقد سرى عنه نوعاً ما ونفس من كربه فأخذ يفكر في عيشة أهل الفن والصناعة البائسة المنكودة وفيما يقاسون من العوز والفاقة وفي منهج حياتهم الوعر الصخري الشائك المملوء بالآفات والمكاره وإنه لفي ذلك إذ حانت منه التفاتة من خلال الستارة نحو الصورة فرأى ضوء القمر قد ضاعف بياض الملاءة