للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المكان للسرور والتسلية! ففي هذه المملكة حالة جمود وجد سلبت الإحساسات معانيها الشريفة السريعة، وأذهان أقل سرعة وتنبها فقدت الحرارة والسرور. إذا مزحنا أو سخرنا أمامهم فعلينا أن نذكر أنا نخاطب أناسا يقظين مفكرين قادرين على الاحتفاظ بتأثرات عميقة مدة طويلة وغير قادرين على انفعالات متقلبة فجائية. هذه الوجوه الجامدة المزوية ستظل بلا حراك، فهم يقاومون كل ابتسامة خفيفة لم تكتمل، فإذا ضحكوا كانت ضحكاتهم تشنجات جافية كجمودهم. وإذا حدثت فلا تمر بالموضوع مرورا بلطف ولين بل أضربها في مقاتلها، واعلم أنه ينبغي لك أن تثير في نفوسهم أقصى عوامل الحماسة، وإن الصدمات العنيفة ضرورية لتحيك هذه الأعصاب الجامدة! كذلك لا تنس أنك تخاطب عقولا عملية محبة للمفيد النافع، وأنهم لم يأتوا إلى هذا المكان إلا ليستفيدوا وإن علينا إزاءهم دينا من الحقائق والمعلومات الثابتة، وإن أصالة عقولهم الضيقة قليلا لا تقبل أقوالا خبط عشواء بلا تحقيق أو أراء مشكوك فيها وأنهم يتطلبون تفنيدات وردودا مدعومة وأبحاثا مستوفاة، وأنهم إنما دفعوا نفوذهم ليسمعوا في هذا المكان نصيحة يتبعونها ليسمعوا في هذا المكان نصيحة يتبعونها أو نقدا مؤيدا بالحجة. فحالتهم النفسية تتطلب انفعالات شديدة، وعقولهم العملية تتطلب حقائق دقيقة. فلكي نرضى نفوسهم لا ينبغي أن نكتفي بخدش الرذيلة ولكن بتعذيبها، ولكي نرضي عقولهم لا نكتفي بالتشهير المبني على الهزل والدعابة ولكن على الإثبات والبرهان بقيت كلمة واحدة أخيرة: هناك، في وسط هذه الجماعة، انظر إلى ذلك الكتاب المذهب الفخم الموضوع بإجلال فوق وسادة حريرية، إنه الإنجيل. ويلتف حوله خمسون رجلا من رجال الأخلاق الذين كانوا منذ هنيهة في أحد المسارح يرمون أحد الممثلين بالتفاح لأنه متهم باتخاذه زوجة أحد الأهالي عشيقة له فإذا خطر لإنسان ما أن يمد يده إلى صفحة من صفحات الكتاب المقدس أو أن يتعرض لأصغر التقاليد الأخلاقية عندهم فإن خمسين يدا ستأخذ بخناقه وتقذفه إلى خارج القاعة!!