يسوقون الناس إلى انتخابهم لا بكفاءتهم وأخلاقهم وسعة مداركهم. فإن هذه قد لا تغني في مخاطبة الشعب واجتذابه، بل بوسائل التأثير والمشوقات التي ليست من الصدق في شيءٍ، ثم يجتمع هؤلاء فيقال أنهم نواب الأمة يبرمون وينقضون باسمها، ويفكرون وينطقون كما يلائم مرافقها. كأنما تسلّبوا عن أنفسهم أو فنوا في كيان الأمة، والحقيقة أنهم يسيرونها كما كان يسيرها نبلاء القرون الوسطى، وإنما هو اسم مبتكر لهيئة قديمة أو كما يقول خمر جديدة في دنان عتيقة.
قال ماكولى عن فولتير أنه قوض مئات من المبادئ ولم يؤسس مبدأً واحداً وقد يسوغ لنا أن نقول مثل ذلك عن ماكس نوردو فأنه من أولئك الباحثين الذين ذهبوا في إصلاح البشر مذهب القائلين بتلافي النقص واستدراك الخطأ، وعندي أن الهادمين من الفلاسفة أقرب إلى الصواب من البناة منهم، فإنه يسهل علينا الإلمام بما كان ولا يسهل التكهن بما سوف يكون. ولا محل للخطأ إلا قليلاً في الاهتداء إلى فساد نظام سبق تطبيقه وبين الزمن نفعه وضرره على أنه لا سبيل إلى التحرز من الخطأ في وضع سنة لا يمكن أن يستجمع واضعها في ذهنه كل ما قد يتأتى عند تطبيقها من اختلاف أحوال الزمن وتجدد طوارئه، ويتعذر عليه أن يحيط بكل ما يلزم الناس فيودعه سنته، والخطل قريب من أصحاب المبادئ لأنهم لا يملكون أنفسهم أن لا يتشيعوا إلى مبادئهم، فيقلل ذلك من تسامحهم في قبول الحقائق والآراء التي لا تتفق مع آرائهم.
وكتاب الأكاذيب المقررة من أهم كتب الرجل بل لعله أهمها. وقد نقل إلى أكثر لغات أوروبة فأثار حوله ضجة في كل لغة نقل إليها وطبع مراراً في أكثرها. نحي فيه منحى غريباً في نقد مساوئ الاجتماع وكشف طلاء غشه. وقد فضح بهارج المدنية الغريبة فأبان كيف أنها قائمة على غير أساس وكيف تختلف ظواهرها عن بواطنها وتناقض دعاويها وحقائقها. وقد صادرت الكتاب حكومة النمسة، وفي بلادها كان مسقط رأس الفيلسوف، زاعمة أنه يجرئ الناس على احتقار شخص الإمبراطور ويصدهم عن إحياء شعائرهم الدينية، وهو المزعم الذي طالما لجأت إليه الحكومات كلما خشيت على سلطتها من كتاب أو فكر جديد، وهي لا تخشى عليها من الباطل لأنها قائمة عليه وإنما تخشى من الحق ونوره الذي ينبه إليها عسس العقول ويغري بها بصر العدل، وهب نوردو كتب كتابه