للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المجلس الزاهر قعودا حسنا نبيلا وقعد عن يمينه ولي العهد من بنيه الحكم ثم عبد الله ثم عبد العزيز ثم الأصبغ ثم مروان وقعد عن يساره المنذر ثم عبد الجبار ثم سليمان وتخلف عبد الملك لأنه كان عليلا لم يطق الحضور وحضر الوزراء على مراتبهم يمينا وشمالا ووقف الحجاب من أهل الخدمة من أبناء الوزراء والموالي والوكلاء وغيرهمن وقد بسط صحن الدار أجمع بعتاق البسط وكرائم الدارنك وظللت أبواب الدار وحناياها بظلل الديباج ورفيع الستور، فوصل رسل ملوك الروم حائرين مما رأوه من بهجة الملك وفخامة السلطان ودفعوا كتاب ملكهم صاحب قسطنطينية العظمة قسطنطين بن ليون وهو في رق مصبوغ لونا سماويا مكتوبا بالذهب بالخط الإغريقي وداخل الكتاب مدرجة مصبوغة أيضاً مكتوبة بفضة بخط إغريقي أيضاً فيها وصف هديته التي أرسل بها وعددها وعلى الكتاب طابع ذهب وزنه أربعة مثاقيل على الوجه الواحد منه صورة المسيح صلوات الله عليه وعلى الآخر صورة قسطنطين الملك وصورة ولده وكان الكتاب بداخل درج فضة منقوش عليه غطاء ذهب فيه صورة قسطنطسن الملك معمولة من الزجاج الملون البديع وكان الدرج داخل جعبة ملبسة بالديباج. وكان في ترجمة عنوان الكتاب في سطر منه (قسطنطين ورمانيين المؤمنان بالمسيح الملكان العظيمان ملكا الروم) وفي سطر آخر (العظيم الاستحقاق الفخر الشريف النسب عبد الرحمن الخليفة الحاكم على العرب بالأندلس أطال الله بقاؤه) ولما احتفل الناصر لدين الله هذا الاحتفال أحب أن يقوم الخطباء والشعراء بين يديه لتذكر جلالة مقعده وعظيم سلطانه وتصف ما تهيأ من توطيد الخلافة في دولته وتقدم إلى الأمير الحكم ابنه وولي عهده بإعداد من يقوم بذلك من الخطباء ويقدمه أمام نشيد الشعراء فأمر الحكم صنيعه الفقيه محمد بن عبد البر الكسيباني بالتأهب لذلك وإعداد خطة بليغة يقوم بها بين يدي الخليفة وكان يدعي من القدرة على تأليف الكلام ما ليس في وسع غيره وحضر المجلس السلطاني فلما قام يحاول التكلم بما رأى هاله وبهره هول المقام وأبهة الخلافة فلم يهتد إلى لفظة بل غشي عليه وسقط على الأرض فقيل لأبي علي البغدادي قم فارقع هذا الوهي فقام فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله وصلى على نبيه صلى الله عليه وسلم ثم انقطع القول بالقالي فوقف ساكتا مفكرا في كلام يدخل به إلى ذكر ما أريد منه.