للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

نفضت نفسي كلية من الفكر والكتابة من بدأ اليوم الذي عرفت فيه أن الفكر شر وأن الكتابة لعنة وقد وصلت إلى هذه النتيجة وقوى من نفسي هذا العزم كما تعرف في عام ١٨٨٢بعد طبع كتيب في الفلسفة كلفني الكثير من الآلام ونقدته الفلاسفة لأنه كان مكتوبا بأسلوب أخاذ ونمط من الإنشاء بديع وفي هذا الكتاب حاولت إثبات أن الكون مغلق السر غير مفهوم وقد كنت مغضبا عندما ذكر لي أني لم أفهمه كحقيقة منزوعة من برود الخيال مجردة من أثواب الأوهام وقد هممت للدفاع عن كتابي لذلك ولكن عند قراءته عجزت أن أتسقط معناه الحقيقي وجدت نفسي غامضا ملتبسا مثل أعظم فلاسفة ما وراء الطبيعة وأن الدنيا قد أساءت إلي وغبنتني لأنه ضنت علي بشيء من الإعجاب الذي تتسخى به عليهم وقد منعني ذلك من التفكير فيما وراء الحس فانصرفت إلى علوم الملاحظة ودرست علم التشريح ومبادئه راسية القواعد راسخة فقد مضى عليها الآن ثلاثون عاما وهي تتركب من تقييد ضفدعة بدقة بالدبابيس على قطعة من الفلين ثم شقها لملاحظة الشرايين والقلب ولكني أدركت بعد مدة قصيرة أننا بهذه الطريقة نحتاج إلى وقت أطول من الحياة التي تهبها لنا الدنيا لكي نصل إلى سر الأحياء العميق الخافي وحقيقتها البعيدة المتوارية وشعرت بغرور العلم الصافي الذي لا يضم بين أطرافه ومنفرجاته سوى جزء لا نهائي الدقة من المظاهر ويشارفه منه عدد محصور من الروابط والصلات ولا تكفي في خلق مذهب متين راسخ وفكرت دقائق في أن أقذف نفسي في مناطق الحرف وميادين الصناعة لكن رقة قلبي منعتني منذلك وليس هناك محاولة مهما اختلفت ضروبها يمكننا أن نقول عنها أنها سيأتي من وراءها من الخير أكثر ما يأتي من الشر وإن (كريستوف كولمبس) الذي كان يحيا حياة القديسين وكان يتشبه بالقديس (فرانسيس) كان بلا مدافع لا يفكر باستكشاف طريق جزائر الهند لو أنه كان يعلم أن استكشافه هذا سيريق الدماء ويكشف عن مذابح أمم عدة برمتها من ذوي الجنود الجمر وهم بلا مرية قوم مستوحشون مقبحوا السريرة فيهم شراسة وشر ولكن كل ذلك بمانعهم من أن يحسوا الألم لو كان يعلم أيضاً أنه سيجلب إلى الدنيا القديمة من ذهب الدنيا الجديدة من الأمراض والأسقام والجرائم ما كان من قبل مجهولا وكنت أظهر الامتعاض وأبدي الاستنكار عندما كان نفر من الأمناء المخلصين أن امضي إلى ممارسة الأسلحة النارية والمفرقعات التي كسبوا من وراءها