للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

بيته وقافيته على أن ركن اللغة الفصحى قد تعاورته قبل هذه الآونة معاول كثيرة أقربها عهداً بنا قلم القاضي ولمور الانجليزي ذلك الرجل الذي ما أحسبه اقتلع قلمه المسموم إلا من بين أنياب الشيطان فقد أراد أن يمسخنا مسخا، وينسخ شريعتنا نسخا، ويدع شيوخنا في المكانة اللغوية (كمشايخ الحارات) وفتياننا في الرطانة البربرية كخدم (البارات)، ولكم رأينا بعد ذلك من مثله ولموراً مصرياً لم يجن عليه إلا نقص تعليمه وضعف تقويمه، فأمسى حرباً على الحق ولكنه أصبح وحده المخذول فيها كما قال أستاذنا الإمام رحمه الله.

فقد يممت ذات يوم تلك الدار دار الحكمة فأصبت الإمام في ظل شجراته وهو ينظر في بعض أوراق من كتاب المخصص الذي لولا همته، ما ظفرت به أمته، وكان يمر على كثير منه بعد أن يعاني ضبط روايته ذلك الحافظ الكبير المرحوم الشيخ محمد محمود الشنقيطي. فأخذت مجلسي وأنا من إجلالي للإمام كأنما أضع قلبي في كل حرف يقرؤه فما أن استتم الباب حتى التفت إلي مبتسماً وقال أيعجبك المخصص.

قلت يا مولاي إنك قلبت البديع فجعلت براعة الاستهلال تجاهل العارف وإلا فإن الذي نشأ على أن تعجبه ألاجرومية كيف لا يعجبه المخصص.

فضحك إلي وكان رحمه الله يعرف مبلغ حرصي على تقييد ألفاظه والتقاط حكمته والضن بآثاره ويلمح أني إنما أدخر من لدنه علماً فكان يطيل أحياناً في بيانه، وينير كل مشتبه ببرهانه ويسلس لكل معنى من عناته. فقلت له فيما قلت: ولكن يا مولاي هل تظن نشأنا الحديث يقبل على المخصص وهو ما هو في بسط العبارة واتساعها واستفاضة الأطراف إلى ما يفوت أجل المستفيد، وأمل المستزيد، فضلاً عما فيه من تحقيق ليسوا لمثله وتدقيق ليس لمثلهم؟ فقال:

لا أظن ذلك في النابتة الحديثة ولا في الجذوع القديمة. . . . (الشيوخ) وإنما علينا أن نعمل في إصلاح أمر دنيانا ليوم سيأتي كما نعمل في إصلاح أمر آخرتنا ليوم سوف يجيء. وإذا كنا ننصرف عن العلم لندرة أهله والمقبلين عليه فلا بد من يوم يكون فيه هذا النادر معدوماً لأن سنة النقص عند أسبابها كسنة الزيادة عند أسبابها والوجود لا يدرك مقدار ما نقص منه ولا ما زاد فيه فلا يعبأ بالموجودين وأحوالهم وإنما يدرك من له قوة الإدراك.

نحن نظهر المخصص ونصبر على مضض ما نعانيه في ذلك لخلال ثلاث فأما واحدة فلئلا