للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وحسبنا ذلك وكفى به دليلاً على ضعف نقده وخفة بضاعته ونزارة مادته ولو أنّا أردنا أن نحصي سقاط هذا الرجل اللفظية والمعنوية لأحرجنا القراء وكربناهم وأنها وأيم الحق لسماجة في المرء أن يتطفل على موائد الكتبة وليس له أداتهم ولا له آلتهم ويدس بنفسه بينهم وليس منهم ولو كان له جبين يندى أو طرف ينكسر لانزوى في بيته حياء ولاتخذ من داره جُنّة يتقي بها سهام السخرية والهزوء ولوجد لنفسه مندوحة عن موقف يخزي فيه. وأي عيب أكبر وخزى أفضح من أن ينتحل الرجل كتاباً برمته. لقد سمعنا بمن يسرق المعنى والمعنيين ولكنا ما علمنا على الناس مثل ذلك من قبل.

على أني أعجب لصاحب البيان - وعهدنا به من ذوي البصر بصرف الكلام والخبرة بنقد جيده ورديئه - كيف لم يفطن لضعفه الظاهر وقصوره البادئ. حتى صار يستعين به ويعمد إليه في النقل والتعريب وحتى كان من أمره معه أن أخذ ينقل له كتاب الواجب وقد قال لي أحد الذين قرأوه بالفرنسية أن صنيعه به أشنع من صنيعه بكتاب نابليون.

قال فإن داخلك في قولي شك فانظر ص ٢٤ من كتابه (يعني الواجب) تجده يقول في كلامه عن أعداء الفلسفة والحرية. . . فهم تارة ينعون على الفلسفة وطوراً يعنفون أصحاب. . . الخ ألا ترى أنه عجز عن نقل هذا اللفظ وتعريبه فأبقاه كما هو. وأي فائدة في التعريب إذا؟ وهل معنى التعريب أن نعيد طبع الكتاب بلغته التي كتب بها: ونحن نشايعه على رأيه ونأخذ عليه ما يأتي: قال في أول مقدمة المؤلف (تُعتبر) الفلسفة في نظر الفلاسفة علماً. . . وما نعرف لهذا الاستعمال أصلاً فإنه يقال اعتبر من الشيء تعجب وبه اتعظ ولكن لا يقال اعتبره بمعنى عده أبدا. وقال في هذه الجملة أيضاًعلماً (يشتمل) جملة من المسائل والصواب على وقال مبادئ ونتائج ما عداها من العلوم والصواب مبادئ ما عداها ونتائجها وقال التي (تكسبها) الحياة ثوباً عملياً والصواب تكسوها وقال المشتغلين بالعيش الأدنى) وصوابه كما اخبرني من قرأ الأصل المترفين وقال (سابقاً بأفكاره) والصواب لأفكاره وقال أن الإنسان ليذهب (أبعد) من ذلك والصواب إلى ما هو أبعد وقال لو كان (للإنسانية) ذلك المستقبل والصواب للإنسان وهذا كله في الصفحة الأولى من المقدمة وحدها فما ظنك بسائر الكتب. فاتق الله يا صاحب البيان واعلم أن قراءك قد اطمأنوا إلى علمك وركنوا إلى تحقيقك فلا تسيء إليهم ولا تدعهم يحملون الخطأ عن صحيفتك وهم يحسبونه صواباً