ولكن نزلت ريو وفارقتني فضل، ولله الأمر من قبل ومن بعد.
يا وحشتنا للغريب في البلد النازح ماذا بنفسه صنعا
فارق أحبابه فما انتفعوا ... بالعيش من بعده ولا انتفعا
يقول في نأيه وغربته ... عدل من الله كل ما صنعا
وهذه ريو هي مدينة عظيمة من مدائن جزيرة قلورية من بر الأرض الكبيرة واقعة على مجاز مسيني بينها وبين مسيني نحو من عشرة أميال وبها مسجد كبير بناه في وسطها أبو الغنائم الحسن بن علي بن أبي الحسين الكلبي وإلى صقلية كان من قبل المنصور العبيدي بعد أن اكتسح بلاد قلورية جميعا وتغلغل في أحشائها وشيد بها المعاقل والحصون وأرغم أنوف أهليها من الروم وذلك فيما بلغني أن الأنبرور صاحب القسطنطينية كان قد أرسل ستة تسع وثلاثين وثلاثمائة للهجرة بطريقا في البحر في جيش كثير إلى جزيرة صقلية فأرسل الحسن إلى المنصور العبيدي يعرفه الحال فأرسل إليه أسطولا فيه سبعة آلاف فارس وثلاثة آلاف راجل سوي البحرية وجمع الحسن إليهم جمعا كثيرا وسار من بلرم قصبة صقلية في البر والبحر فوصل إلى مسيني وعبرت العساكر الإسلامية إلى ريو هذه وبث الحسن سراياه في أرض قلورية ونزل على بلد يسمى جراجة وحاصرها أشد حصار حتى أشرف أهلوها على الهلاك من شدة العطش وأنه لفي ذلك إذ وصله الخبر أن الروم قد زحفوا إليه فصالح أهل جراجة على مال أخذه منهم وسار إلى لقاء الروم ففروا من غير حرب إلى مدينة تدعى بارة ونزل الحسن على قلعة تعرف بقلعة قسانة وبث سراياه إلى قلورية وأقام عليها شهرا فسألوه الصلح فصالحهم على مال أخذه منهم ودخل الشتاء فرجع الجيش إلى مسيني وشتى الأسطول بها فأرسل إليه المصور يأمره بالرجوع إلى قلورية فسار الحسن وعبر المجاز إلى جراجة فالتقى المسلمون والروم يوم عرفة سنة أربعين وثلاثمائة فاقتتلوا أشد قتال رآه الناس فانهزمت الروم وركب المسلمون أكتافهم إلى الليل وغنموا أثقالهم وسلاحهم وذوابهم ثم دخلت سنة إحدى وأربعين فقصد الحسن جراجة فحصرها فأرسل إليه الأنبرور يطلب منه الهدنة فهادنه وعاد الحسن إلى ريو وبني بها مسجدا كبيرا في وسطها وشرط على الروم أنهم لا يمنعون المسلمين من عمارته وإقامة الصلاة فيه والأذان وأن لا يدخله نصراني ومن دخله من الأسارى المسلمين فهو آمن سواء