للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قال: لعلي إن لقيته أن أصيب عوضاً من القمار ثم ماذا؟؟

قال: الربا.

قال: ما دنت ولا أدنت.

فكاد مسحل ييأس من فتنة صاحبه عن الإسلام فقد بردت عواطف الرجل وأخذت الشيخوخة شهواته. والشيطان لا يخلق في نفس المرء ما لم يكن فيها.

ولكنه ينفخ في جذوتها الهامدة ويحرك نارها الساكنة ثم ذكر (أي مسحل) إن من لذات النفس لذة لا يعيي عنها صاحبها حتى يوارى ثراه، وهي لذة الشراب كما قال بعض إخوانه على لسان بعض الشعراء:

قالوا كبرت فقلت ما كبرت يدي عن أن تمد إلى فمي بالكاس

فلما سألهم الأعشى ثم ماذا؟؟ همس شيطانه في قلب أحدهم فأجابه:

إنه ينهاك عن الخمر.

فصاح كانما لدغته أفعى وقال ارجع إلى صبابة قد بقيت في المهراس فأشر بها ثم نكص على عقبيه وباع الجنة ونعميمها بمائة من الإبل فحق في هذا الأعشى قوله تعالى: ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطاناً فهو له قرين.

أما النابغة فكان شيطانه يدعى هاذرا وكان كما قال نقد جني أشعر الجن وأضنهم بشعره أبدع في وصف امرأة النعمان حتى قال المنخل اليشكري: والله لا يقول هذا الأمن جرب ووقعت هذه الدسيسة من نفس النعمان فأراد أن يبطش بالنابغة وأحسب أن هاذرا هو الذي أدلى إليه بتلك الحيلة الشيطانية حين تغير عليه قلب النعمان فلقن إحدى قيان القصر قصيدته التي يقول في مطلعها:

يا دارمية بالعلياء فالسند ... أقوت وطال عليها سانف لامد

فلما سكر النعمان غنته بها فطرب وقال هذا شعر علوي هذا شعر أبي إمامة ثم رضي عنه ووقاه هاذر كيد شيطان اليشكري.

ويعجبني هبيد شيطان عبيد بن الأبرص ذلك الشيطان المسكين الذي يرعى الظباء. ويلبس الأظمار وربما كان أول شيطان هدى إنساناً إلى ذكر الله فإنه لما طلع على عبيد في البيداء ورأى ما كان من ارتياعه منه قال له: اذكر الله فقد رعناك وبذكر الله تطمئن القلوب ولعله