للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

تنجذب إلى ناحيته على غير عمد، وقد علمت أنها ستسمع من ذلك الفم الجميل ما قد سمعت من أولئك الثراثرة المتعشقين. فخفق قلبها وتوهج خداها. وإذا هي على قيد باع منه، فسمعت صوتاً رخيماً ولكنها لم تتبين ما قال.

وحاولت أن تنحرف عنه فخانتها قدماها. ثم همت أن تنظر إليه فلم تطعها عيناها. ورأى الفتى ترددها ووجومها فأقبل عليها بكياسة الأمراء، وقال بلباقة الخطباء: ألست أنا أولى بمصاحبة هذا الملك السماوي من ذلك العبد الأدلم؟؟ وأشار إلى الخصي جوهر - وكان على بعد يحادث بعض أصحابه - فضحكت. وأدارت عينيها إليه ولكنها لم تلبث أن إدارتهما عنه. وما كان فتاي ليجهل أن أعراض الخجل والدلال إنما هو عين الإقبال؟ وإن انثناء الروعة إنما هو هزيمة في هذا المجال، فأسرع إليها بجرأة أفادته إياها ممارسة هذه المواقف. وأمسك يدها وهي ترتجف بين يديه. وأذهلتها هذه المفاجأة فلبثت هنيهة يخيل لها أنها تتأهب للحركة ولا تتحرك، وأنها تنبس بالكلام ولا تتكلم. كأن القلب الذي يوحى إليها الكلام والاعتزام قد طار منها في ملكوت الحب والهيام. فلم يبق منها إلا بصر شاخص كما ينظر الصبي في أثر العصفور أفلت من يده وإلا بدن مستسلم كأنه بين راحتي الكرى.

وأدركهما جوهر وهما على هذه الحالة. فأرسل يدها وأفاقت إلى نفسها وهي تقول: وا فضيحتاه! هذا جوهر أغا!!

وسمعاه يحر نجم ويطمطم بما لا يفهمانه. وكأن كلماته من اللكنة والعجمة أصوات بغير حروف. ثم قال: عيب يا بك! لا يليق بك أن تتهجم على الحرائر في قارعة الطريق! وليست هذه من أولئك اللائي تعرفهن!!. . . .

فاستقبله الفتى باسماً. وقال بما يعهد في هؤلاء الفتيان من الظرف وتزويق الكلام: سامحك الله يا أبي جوهر. فقد بالغت في إساءة الظن بنا. ولسنا نحن كما ظننت من السوقة الهمل. ولكننا أبناء قوم كرام والحمد لله. وأنت تعلم أن الآنسة أبعد من أن تكون مظنة ريبة لا سيما وهي ربيبتك وفتاتك ووالله ما كنت لا تصدي لمحادثَتها لولا أنها زميلة أختي في المدرسة، وأنها كانت تزورها في منزلنا فعرفَها وعرفتني هناك وامتد بينهما الاستسماح والاعتذار ثم دس في يده ديناراً أطال عهد الخصى بأمثاله، فطار له لبه وقال: وإلى أين تذهبان الساعة؟؟