للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المتعذر نقل تلك العناصر إلى أمة أخرى من دون تغيير فيها. وإنما الذي يمكن نقله هي الصورة الظاهرة السطحية التي لا قيمة لها.

اختلاف المزاج العقلي بحسب الأمم يجعل كل واحدة تتصور الوجود بصورة خاصة فهي إذن تختلف في الحس والعقل والعمل. ويقوم النزاع بينها على جميع المسائل متى احتكت ببعضها. وهذا التنازع هو سبب جميع الحروب المدونة في التاريخ. فحروب الفتح والحروب الدينية وحروب العائلات المالكة كلها في الحقيقة حروب جنسية لا يتكون من مجموع أفراد مختلفي الأصل شعب مستقل. أعني أنهم لا يكون لهم روح يشتركون فيها كلهم إلا إذا كثر تبادل النسل بينهم مدة طويلة. واتحدت معيشتهم في بيئات متحدة. وصارت مشاعرهم واحدة ومنافعهم مشتركة. ومعتقداتهم عامة لا يكاد يوجد في الأمم المتحضرة شعوب أصلية بل ليس هناك إلا شعوب صناعية تكونت من أحوال تاريخية.

لا يؤثر تغيير البيئة تأثيراً شديداً إلا في الشعوب الجديدة أعني التي تكونت من أخلاط شعبية تفككت أخلاقها الموروثة بكثرة التناسل. فلا يفل الوراثة إلا الوراثة. وإذا لم يكن للتناسل من القوة ما يكفي لزعزعة الأخلاق وتشتيتها كان تأثير تغيير البيئة قاصراً على التخريب. وقد يموت الشعب القديم ولا يقبل التغيير الذي تقتضيه ضرورة انطباعه على بيئة جديدة.

تبلغ الأمة ذروة مجدها متى تم لها روح قوى قام وتسقط متى تحلل هذا الروح. وأهم العوامل في هذا التحليل دخول عنصر أجنبي في الأمة.

تتأثر الأنواع النفسية كالأنواع المادية بالزمان كلاهما يهرم ويموت. وتحتاج كلها في تكوينها إلى زمن طويل. وقد تزول في وقت قصير. إذ يكفي أن تضطرب وظائف أعضائها ليحدث فيها تطور نحو السقوط وقد تكون نتيجة الدمار العاجل. فالأمم تقطع قروناً طوالاً قبل أن يثبت لها مزاج عقلي خاص. وقد تفقده في برهة يسيرة. فالشقة التي تسير فيها إلى الحضارة بعيدة. ومنحدر السقوط قصير غالباً.

المبادئ من أهم عوامل الحضارة بعد الخلق ولكنها لا تؤثر إلا بعد أن تتطور على مهل حتى تصير شعوراً وتصبح جزءاً من الخلق نفسه وتخرج بذلك من دائرة البحث والنظر. ولا تزول المبادئ إلا بعد مرور دهر طويل. وكل حضارة ترجع إلى بعض مبادئ أساسية