للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

مالا يُحصى، ومنها يخرج قوم يقال لهم المجوس على دين النصارى، أو لها جزيرة برطانية - وفي البحر الرومي جزائر ميورقة ومنورقة ويابسة، وقد مضى وصفها في الرسالة الأولى من كتابنا حضارة العرب في الأندلس.

وهذه جزيرة الأندلس هي بلد كريم البقعة طيب التربة خصب الجناب، منبجس الأنهار الغزار، والعيون الثرار. بل هو لتفوقه على سائر البلدان، كأنه قطعة انفصلت من الفردوس واستقرت في هذا المكان. ومن هنا كانت مستبحرة العمران، كثيرة المدن والقرى والحصون والقلاع، حتى لقد بلغني أن بها ثمانين مدينة من القواعد الكبار وثلاثمائة ونيفاً من المتوسطة وفيها من الحصون والقرى والبروج مالا يُحصى كثرة حتى قيل أن عدد القرى التي على نهر اشبيلية اثنا عشر ألف قرية - ولقد ذكرنا في الرسالة الثانية من كتابنا حضارة العرب في الأندلس - وعنوانها من المرية إلى قرطبة - أنا كنّا نجد في اليوم الواحد ثلاث مدن وأربعاً، وكنا لا نكاد نقطع فرسخين دون أن نرى الماء، وحيثما سرنا نرى الحوانيت في الفلوات والصحاري والأودية ورؤوس الجبال لبيع الخبز والفواكه والجبن واللحم والحوت وما إلى ذلك من ضروب الأطعمة وهذا لعمري مالا يوجد في صقع من معمور الأرض.

ومن مشهور مدائن الأندلس مدينة قرطبة وهي لعهدنا هذا قبة الإسلام، ومجتمع أعلام الأنام، بها استقر سرير الخلافة المروانية، وفيها تمحضت خلاصة القبائل المعدية واليمانية، وإليها الرحلة في رواية الشعر والشعراء، إذ هي مركز الكرماء ومعدن العلماء، فهي لعمري تملأ الصدور منها والحقائب، ويباري فيها أصحاب الكتب أصحاب الكتائب، وترى ساحاتها مجر عوالي ومجرى سوابق، ومحط معالي وحمى حقائق، وهي من بلاد الأندلس بمنزلة الرأس من الجسد، والزور من الأسد، ولها الداخل الفسيح، والخارج الذي يمتع البصر بامتداده فلا يزال مستريحاً وهو من تردد النظر طليح - وقد وصفنا فيما سلف لنا في الرسالة الثالثة من حضارة العرب مسجدها الكبير والزهراء وقنطرة الوادي الكبير وما إلى ذلك من سائر أرياضها ومنتزهاتها ومدارسها وعلمائها وأدبائها وشعرائها وفلاسفتها وجملة القول أنا وصفنا هنالك كل شيء في قرطبة.

ومن مشهور مدائنها كذلك غرناطة واشبيلية وطليطلة والمرية وسرقسطة وجيان ومالقة