للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وإذا جلس إلى الغداء رمى بالصحاف في وجهه، وكان لا يقدم إليه حيناً إلا الخبز والماء، وحيناً يلجئه إلى ازدراد طعام خبيث فاسد لا تكاد المعدة تسيغه ولا تكاد تمسكه، ولقد رماه أبوه إل الأرض ثم جعل يجره حتى النافذة يريد أن يخنقه بحبال الستائر!

هذا والملكة في أشد الغضب تشفق من زوجها على ابنها، وأخته ولهلمينا انحازت له فلقيت ما يلقى كل يوم من عذاب.

وبلغ بفردريك الشاب اليأس فاحتال للهروب، وبلغ بأبيه المستبد الغشوم الغضب فاستحال جنوناً.

وكان الأمير ضابطاً في الجيش، وفراره يعد في العرف نكولاً، والنكول في قانون فردريك غليوم أكبر الجرائم نكراً، وقد كتب ذلك الملك المتدين في إحدى رسائله الهوجاء النكول من الجحيم، عمل صبية الشياطين وأطفال الأبالسة، لا يقع في جريرتها عبد من عباد الله.

وكان مع فردريك شريك يرى رأيه، ويذهب مذهبه، فأمر الملك بقتله، ولم تأخذه فيه رحمة، ولم يستمع لنصيحة المجلس الحربي له أن يأخذه بالعفو.

وكاد فردريك نفسه يلحق بشريكه، وكاد ينفذ فيه حكم أبيه بالموت، لو لم يقيض الله له حكومات هولاندة، وملوك بولونيا والسويد، والإمبراطور فتداخل الجميع في أمر ذلك الحكم، وبعد تعب وجهد سكنت حدة الملك وأنقذ آل براندنبورج من وصمة كادت تعلو جباههم، وعار قتل أوشك أن يلبس شرفهم.

وعلم فردريك بعد قلق عدة أشهر أن حياته قد أنقذت من مخالب الموت، ولكنه لبث في السجن طويلاً، وقد رأى أن لا مناص من غياباته.

ووجد في حبسه من الحراس رحمة لم يجدها في أبيه، وألفي بين الحفاظ قلوباً رحيمة أين منها قلب والده ومليكه.

ولم تكن مائدته في السجن فاخرة، ولا الطعام لذيذاً، لكنه صحي مفيد، يقتل الجوع ويسكن ثائرته، واستطاع أن يقرأ (الهنريات) ولا يرفس من أجلها، ويعبث بمزماره، وينفخ بالألحان والنغم، ولا يكسر فوق رأسه.

فلما انقضت مدة حبسه، خرج من محبسه رجلاً وقد أوشك أن يتم الحول الواحد بعد العشرين، فلا يستطيع أحد، حتى وإن بلغ من القسوة مبلغ والده، أن يضيق عليه أو يصرفه