للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ويذكر حفلات ميلادكم، ويعترف أنه سعيد أن تعثر بواحدة منها.

مرحمة أيها الناس، حتى خدمكم يعدونه لغزاً من الألغاز ويشفقون أن يكونوا لديه خافضي الجناح من أدب وهيبة، ويتهامس الضيفان بينهم أنهم رأوه من قبل، ويتمعن كل منهم في حالته وكلهم يحسبه من مستخدمي الجمارك!

ويدعوك باسمك دون الكنية ليدل الأضياف أن اسمه مثل اسمك، ويأنس لك قليلاً، ويتدلل بقرابتك واثقاً، وتود لو لم تكن هذه الثقة ليده وأن قلة اطمئنانه لك واحتشامه في حضرتك يظهر أنه أمام ضيفانك كأنه تابع اصطنعته لنفسك وصنيعة استخدمته لحاجتك، ولو تشجع لديك بعض التشجع لبدت للناس مكانته منك وعصبيته.

هيئته أمامك لا تليق حتى بالصديق ومظهره لا يجمل بالولى.

تدعونه لمائدة الميسر فيأبى محتجاً بفقره، وتأخذه العزة بالحق وقد تركتموه في الحجرة وحيداً.

فإذا انتثر عقد جمعكم وتفرق عنك ضيفك رأيته يسارع ليأتيكم بمركبة ولكنه يدع الخادم مستبقاً.

انه ليذكرك بأجدادك ويرمي في المجلس بحكاية تافهة عن أسرتك ويقص القصص عن أهلك، ويحيي عهوداً نقضت، ويسترجع زماناً ليس له رَجعُ، ويتفهم منك عن ثمن رياشك بلهجة المهنئ المقرظ، ويهينك بمديح أستار نوافذك وحُجُب شرفاتك، ويتجرأ عليك فيقول أنك تجد الراحة كلها في اقتناء مركبة ويسأل زوجتك في ذلك رأيها.

وأنت ترى في المسكين ذاكرة شاردة هائمة وتحيات فاسدة باردة وتجد في حديثه غصة ألماً، وفي مقامه عناداً وتشبثاً، وفي مكثه إصراراً وثقلاً.

فإذا انطلق من لدنك فلا احتفال ولا توديع، بل أنك لترمي بكرسيه إلى زاوية هناك وأنت تشعر أنك تخلصت من أذية كبرى.