للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

جلائل المسائل وبدائع الفن. ثم في تعريب نخبة ما كتب الإفرنج. كل ذلك في أجمل قالب وأرشق معرض وأحسن سياق، فقد أودع أحسن المعاني أحسن المباني. فكأن هذه في تلك عتيق السلاف، في القدح الشفاف، ثم المثابرة والمواظبة وارتخاص المال وامتهان الجسد والروح في هذه السبيل. وذلك مالم نره في آخر من أهل هذا العصر ولا ما سلفه. اللهم إلا عصور النجدة والبطولة تلك التي ذكرت آنفاً.

وعندي أن مجلة البيان ومطبوعاتها فتوحات جديدة في تاريخ الأدب العربي. وثروة حقيقية أضيفت إلى مادة ذلك الأدب. وللمتنقل بين أبواب المجلة ومطبوعاتها لذة المتجول في أرض جديدة يملأ عينه من جمال بهجتها، وكفه من جزيل خيرها وبركتها، وقد جمعت المجلة فنون الأدب بحذافيرها. وبلغت غاية الإتقان في كل ما جمعت. ففيها النقد الأدبي وفلسفة النقد الأدبي. لا أريد التقريظ والهجاء كما يفعل معظم الناقشين بالمداد على الورق. ولكن النقد على الأسلوب العربي القديم. والأسلوب الإفرنجي الحديث. ذلك الذي هو أولى أن يلقب تشريحاً إذ كان أشبه الأشياء بالتشريح الجراحي يكشف عن خفايا الكتاب المنقود وغوامضه، فكأنه للقارئ مجهر يريه ما لطف ودق عن أن ينظر إلا ببصيرة نقادة جهبذ.

وفي المجلة كذلك التاريخ الروائي ذلك الذي يكتبه صاحب البيان بعنوان حضارة العرب في الأندلس والذي حاز إعجاب القراء على اختلاف ضروبهم وأشكالهم وتعدد مشاربهم وأميالهم وهي طريقة جديدة في كتابة التاريخ، وخطة بكر لم يحاولها غير السيد قبل، ومع ذلك فقد ذلل السيد صعابها، واقتحم عقابها، وألف الله على يديه بين التاريخ والرواية، وهي غاية في التوفيق ليس دونها غاية.

وفي المجلة كذلك الرواية وقد كانت تنقل عن الإفرنجية ثم شرع كتاب البيان أخيراً أن يكتبوها بأقلامهم وابتدأ العقاد فبرهن بمذكرات ابليس على أن ملكة الروائي ليست مما توحد به الغربيون. ولكنها كامنة في المصري تنتظر من كف الزمن قادحاً ومثيراً.

وفي المجلة كذلك الرسائل الأخلاقية والاجتماعية والفكاهية والهزلية وفيها القصائد والمقاطيع وفصول التربية والتعليم والفلسفة والعلوم الطبيعية والزراعية والنبذ الوصفية. ذلك إلى ما ينشر فيها من غير المطبوع من نفيس آثار العرب تحت عنوان صحائف مهجورة ولعمر الحق لست أدري أي باب في الأدب لم تطرقه المجلة.