للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الإسلام، تطهير العادات والأخلاق من درن المفاسد، وبث عاطفة العدل والإحسان في النفوس. وما من سيد في قومه، أو ملك في أمته، ألا وهو عليم بأن عليه من هذه الواجبات ما على رعاياه. فلا جرم إذا رست قواعد المجتمع عند المسلمين على أمتن الأسس، وكفلت الشريعة بما جاء فيها من الأحكام الرادعة عقاب المسيء في تصرفه أو الحائد عن جادة الحق. أما الذين رماهم الزمن بسهم صائب كأن أدركهم من طاغية جور فيساورهم أبداً الأمل في الحياة الأخرى وأن سيكون لهم من نعيمها وخيرها أحسن البدل عما فاتهم من عرض العاجلة ولهم من أملهم سلوان يجلوا لهم عن نفوسهم ويقويها على احتمال الضيم. تلك هي المزايا التي يقترن بها الإسلام إذا لاحت لوائحه بين الأمم غير المتحضرة

والصين من أخص البلدان التي ينتشر الإسلام فيها كالضياء إذا انبثق أو الزيت إذا انساح. فإنك لا تمر بمدينة منها بان فيها شأو المبشرين المسيحيين، وقامت أعمالهم على أرسخ القواعد، إلا وسمعتهم يعترفون بعجزهم وجمودهم حيال ما يشاهدون من تقدم الإسلام، واتساع نطاقه على الدوام ولقد سبق لنا القول بأن عدد المسلمين الصينيين يبلغ الآن عشرين مليوناً وأنهم يعدون في مدينة بكين وحدها مائة ألف نسمة.

كتب الأستاذ فازييليف: غشي الإسلام بلاد الصين من نفس الطريق الذي غشيتها منه الديانة البوذية. ومما لا يشك المسلمون الصينيون فيه أن ديانتهم سوف تحل محل مذهب ساكياموني أي المذهب البوذي وهي مسألة من الخطورة بما لا يخفي على الناقد البصير، لأنه إذا تحقق ذلك القول وترامى الصينيون الذين يعادل عددهم ثلث مجموع عدد الجنس البشري فلا بد من انفصام عرى الروابط السياسية التي تربط أجزاء العالم القديم بعضها ببعض. ومتى تم للديانة المحمدية الانتشار فيما بين جبل طارق والمحيط الهادي فهنالك الخطر على المسيحية والمسيحيين.

وهنا نمسك عن الخوض ونلقي باليراع في مكانه إلى جانب الدواة لأننا بلغنا من كتابنا هذا الشوط الأخير والشأو الأبعد، فلنلخص كل ما جاء فيه في السطور التالية.

إن أمماً قليلة بذت العرب في ميدان الحضارة والعمران، وبلغت إلى ما بلغوا إليه من المرتبة السامية والمنزلة المرموقة في مثل الزمن القصير الذي وصلت إليهما فيه. فإنهم رفعوا قواعد دين من أقوى الأديان التي دانت لها الأمم وبسطت سيادتها على العالم ولا