للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إن من يحترم الإنسانية في شخصه حق عليه أن يعد نفسه جزءاً منها، ومن انفرد عن العالم وانتبذ مكاناً من المجتمع وانقطع منه كل رجاء في الرجوع إليه ولم يرتبط به في شيء فقد أصبح غريباً عن الإنسانية خارجاً عنها ولو أمكننا أن ندرك أن في وسعه أن يحافظ على كرامته وشرفه وقد فعل لما كان فعله إتباعاً لآداب عمومية وقياماً بواجبات اجتماعية وإنما هو إحساس شريف ونزعة جميلة.

الواجب دَين، والإنسان لا يكون مديناً لنفسه ولا يملك لها إبراء ولا صرفاً فلا وجود إذن للواجب الشخصي بالمعنى الحقيقي.

من كان مديناً لغيره فحق عليه العمل لسداد دَينه وكلنا مدينون للمجتمع فيلزمنا إذن أن نعمل لتوفيته دَينه وأن نقف بحيث يتسنى لنا العمل وما واجبنا على أنفسنا في الحقيقة إلا حقوق للمجتمع وعهود وخلاصة هذه الواجبات أن يحافظ المرء على كيانه ويسلم من الأذى.

إن الشقي الذي ناء بالحياة حملاً وضاق بها ذرعاً وأقفر من الفرح ولأمل فأجمع أمره على فراقها والتخلص بالانتحار من همها أحق بالرأفة وأجدر بالرثاء والرحمة وعلينا أن نكم أفواهنا إزاء بأسائه ونمسك عن القول أمام شقائه ومن كان في رغد من العيش لا يشقى بعبء الحياة فلا يحق له أن ينقم على المسكين ويحكم فيه بأمره فإنه لا يدري ماذا كان يفعل لو كان في مكانه وهذه حقيقة لا يقل عنها ثبوتاً ووضوحاً أنه لا يجوز لأحد منا أن يستل روحه ويجهز على نفسه هرباً من واجب الإنسانية وتخلصاً مما عليه من الحقوق.

إن المجتمع في حداثة أعمالنا يقوم بجميع حاجاتنا ولا نقوم في مقابل خدمته بشيء إلى أن يبلغ الفرد منا خمس عشرة سنة إن كان صانعاً أو العشرين أو الخمسة والعشرين إن كان محترفاً بإحدى المهن الحرة كالطب والمحاماة فهو قبل تلك السن ثروة إلى حين ومتاع مدخر لم ينتج بعد شيئاً للمجتمع ونبت لم يزهر وغرس لم يثمر وهو ملك للجماعة بكليته.

المحافظة على النفس غير مقصورة على الاحتفاظ بالوجود بل على جميع قوى الحياة الأدبية والمادية من صحة وعقل وذكاء ولب وقلب وحرية وليست قوانين الصحة إلا قواعد أخلاق واجب على المرء إتباعها أضف إلى قوانين الصحة قواعد تثقيف العقل وإنماء المدارك فلا يسوغ له أن ينهك ذكاءه أو يخمد وهج نوره أو يقسي قلبه بل يجب عليه أن يتعهده بأنواع الحب والشفقة ولا يميل به إلا إلى كل حسن جميل وإذا جاد لامرئ بقلبه