اعتبارًا بل اجعلوا نظره تفرجًا، واستحسانًا، وتلهيًا، فان استرق نظره عبرة، فأفسدوها عليه بنظرة الغفلة، والاستحسان والشهوة، فإنه أقرب غليه، وأعلق بنفسه، وأخف عليه.
ودونكم ثغر العين فإن منه تنالون بغيتكم، فإني ما أفسدت بني آدم بشيء مثل النظر، فإني أبذر به القلب بذر الشهوة، ثم اسقيه بماء الأمنية، ثم لا أزال أعده وأمنيه حتى أقوي عزيمته وأقوده بزمام الشهوة، إلى الانخلاع من العصمة.
فلا تهملوا أمر هذا الثغر وأفسدوه بحسب استطاعتكم وهونوا عليه أمره وقولوا له مقدار نظرة تدعوك إلى تسبيح الخالق والتأمل لبديع صنعه وحسن هذه الصورة التي إنما خلقت ليستدل بها الناظر عليه وما خلق الله لك العينين سدى وما خلق هذه الصورة ليحجبها عن النظر.
ثم امنعوا ثغر الأذن أن يدخل منه ما يفسد عليكم الأمر فاجتهدوا أن لا تدخلوا منه إلا الباطل فإنه خفيف على النفس تستحليه وتستحسنه وتخيروا له أعذب الألفاظ وأسحرها للألباب وامزجوه بما تهوى النفس مزجًا وألقوا الكلمة فان رأيتم منه إصغاء إليها فزجوه بأخواتها وكلما صادفتم منه استحسان شيء فالهجوا له بذكره.
وإياكم أن يدخل هذا الثغر شيء من كلام رسوله صلى الله عليه وسلم أو كلام النصحاء فإن غلبتم على ذلك ودخل من ذلك شيء فحولوا بينه وبين فهمه وتدبره والتفكر فيه والعظة به إما بإدخال ضده عليه وأما بتهويل ذلك وتعظيمه وان هذا الأمر قد حيل بين النفوس وبينه فلا سبيل لها أليه وهو حمل يثقل عليها لا تستقل به ونحو ذلك.