للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اللهُم إنا نسألكَ فِعْلَ الخَيْرَاتِ، وتَرْك المنكرات وحُبَّ المسَاكِيْنِ وإذا أرَدْتَ فِتْنَةً في قوم فَتَوَفَّنَا غَيْرَ مَفْتُنْونِيْنَ.

وقال رحمه الله الهجرةُ هِجْرتان: هِجرةٌ بالجسم مِن بلد إلى بلد وهذه أحكامُها معلومةٌ وليس المرادُ الكلامُ فيها.

والهجرةُ الثانيةُ الهجرةُ بالقلب إلى اللهِ ورسوِله وهذِه هِيَ المقصودُ هُنا وهذِهِ الهِجرةُ هِي الهِجرةُ الحِقيقيةُ وهي الأَصل.

وهجرةُ الجسدِ تابعةٌ لها لله وهي هِجرة تتضمنُ (مِن) و (إلىَ) فيها جسرٌ بِقَلْبِهِ مِن مَحبَةِ غير اللهِ إلى مَحَبَّتِهِ، ومِن عُبوديه غيرهِ إلى عُبوديتِهِ ومِن خَوْفِ غَيرهِ ورَجَائِهِ، والتوكَّلِ عليه إلى خوفِ اللهِ ورَجائِهِ والتوكلِ عليه ومن دعاءِ غيرهِ وسؤالِهِ، والخضوعِ له والذل له والاستكانة له إلى دعاء الله وسؤال الله والخضوع له والذل له والاستكانة له.

وهذَا بعَيِنِهِ مَعْنَى الفِرار إليه قال تعالى: {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ} والتوحيدُ المطلوبُ مِن العبد هُو الفِرَارُ مِن الله إليه.

وتَحْتَ (مِن) و (إلى) في هذا سِرٌّ عظيمٍ من أسرار التوحيد فإنّ الفرارَ إليه سُبْحَانَهُ يَتَضَمَّنُ إِفْرادَهُ بالطلبِ والعبوديةِ فَهُو مُتَضَمِّنٌ لِتَوحِيدِ الإِلهيَّةِ التي اتّفَقَتْ عليها دَعوةُ الرسلِ صلواتُ اللهِ وسلامهُ عليهم أجمعين.

وأمَا الفِرارُ مِنه إليه فَهُو مُتَضَمّنٌ لِتَوحِيدِ الرُبُوبيةِ وإثباتِ القَدَرِ وأنَّ كُلَّ ما في الكونِ مِن المكروهِ والمَحْذُورِ الذي يَفِرُّ مِنْه العبدُ فإنما أَوْجَبَتْهُ مشِيْئةُ اللهِ وحْدَهُ.

فإن ما شاءَ كانَ وَوَجَبَ وجُودُهُ بمشيئتِهِ وما لم يَشأْ لم يَكُن وامتنعَ وجُودُهُ لِعَدمِ مَشِيئتِهِ.

فإذا فَرَّ العبدُ إلى اللهِ فإنمَا يَفِرُّ مِن شئٍ إلي شَئٍ وُجِدَ بمشيئة اللهِ وقَدِرِه فهو في الحقيقةِ فارٌ مِن اللهِ إليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>