للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهَذا حَالُ مَن عَشيْتَ بَصِيْرتُهُ وضَعُفَتْ مَعْرفتُه بمراتِبِ العُلُومِ والأَعْمَالِ والله المستعان. وبالله التوفيق لا إلهَ غَيْرُهُ ولا رَبَّ سِوَاهُ.

وأما الهِجْرَةُ إلى الرسُولِ ? فَعِلْمٌ لم يَبْقَ منه سِوَى اسْمُهُ ومَنْهَجٌ لم تَتْرُكْ بُنَيَّاتُ الطريقِ سِوى رَسْمَهُ، ومَحَجَّةٌ سفَتْ عليها السوافِي فَطَمَسَتْ رُسُومَهَا وغَارَتْ عليها الأَعَادِي فَغَوَّرَتْ مَنَاهِلَهَا وعُيونَها.

فسالِكُهَا غَرِيْبٌ بَينَ العِبَادِ فَرِيدٌ بَينَ كُلِّ حي وناد. بعيد على قرب المكان وحيد على كثرة الجيران.

مستوحش مما به يستأنسون، مستأنس مما به يستوحِشُوْن مقيم إذا ظعنوا، ظاعن إذا قطنوا، منفرد في طريق طلبه لا يقر قراره، حتى يظفر بإربه. فهو الكائن معهم بجسده البائن منهم بمقصده، نامت في طلب الهدى أعينهم، وما ليل مطيته بنائم، وقعدوا عن الهجرة النبوية، وهو في طلبها مشمر قائم.

يعيبونه بمخالفة أرائهم ويزرون عليه إزارءً على جهالاتهم واهوائهم، قد رجموا فيه الظنون وأحدقوا فيه العيون، وتربصوا به ريب المنون {فَتَرَبَّصُواْ إِنَّا مَعَكُم مُّتَرَبِّصُونَ} {قَالَ رَبِّ احْكُم بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ}

وقال رحمه الله الطلبُ لِقاحُ الإِيمان، فإذا اجتمعَ الإِيمانُ والطلبُ أَثْمَرَ العملَ الصالحَ.

وحسنُ الظنّ بالله لِقاحُ الافتقار والاضطرارِ إليهِ فإذا اجتمعا أَثمَرا إِجابةَ الدُعَاءِ.

والخشيةُ لقاحُ المحبةِ فإذا اجتمعا أَثْمَرا امتثالَ الأَوامِرِ، واجتنابَ النواهِي.

والصبرُ لِقاحُ اليقين، فإذا اجتمعا أَوْرَثَا الإِمامةَ في الدِيْنَ قال تعالى

<<  <  ج: ص:  >  >>