وأخبر أنه عِنْدَمَا يقيم عَلَيْهمْ الحجة على البعث يقولون من يعيدنا أي من يعيدنا ونَحْنُ بهذه الحال: فقل تحقيقًا للحق وإزاحة للاستبعاد وإرشادًا إلى طَرِيق الاستدلال، الَّذِي يفعل ذَلِكَ هُوَ القدير العَظِيم الَّذِي لا يعجزه شَيْء في الأرض ولا في السماء.
الَّذِي ذرأكم في الأرض أول مرة على غير مثال يحتذى ولا منهاج معين ينتحى وكنتم ترابًا لم يشُم رائحة الحياة ألَيْسَ الَّذِي يقدر علي ذَلِكَ يقدر على أن يجمَعَ ما تفرق ويفيض الحياة ويعيده كَمَا خَلَقْهْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بلى إنه سُبْحَانَهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.
ثُمَّ بين سُبْحَانَهُ ما يفعلونه حين ما يسمعوا الجواب {فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ} أي متى هَذَا البعث وفي أي وَقْت وحال يعيدنا خلقًا جديدًا كَمَا كنا أَوَّلَ مَرَّةٍ ومقصدهم من هَذَا السؤال استبعاد حصوله.
وفي معنى هذه الآية قوله تَعَالَى حكاية عنهم {وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} قال تَعَالَى {قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ قَرِيباً} أي فاحذروا فإنه قريب منكم وسيأتي لا محالة وكل آت قريب وكل ما هُوَ محقق الحصول قريب.
وإن طال الزمان في نظر العباد ولم يخبر به أَحَدًا لا ملكًا مقربًا ولا نبيًا مُرسلاً {يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ} أي يوم يدعوَكَمْ للبعث والنشور والحساب والجزاء فتستجيبون له من قبوركم بقدرته ودعائه إياكم وله الحمد في كُلّ حال وتظنون حين تقومون من قبوركم إن لبثتم إِلا قليلا في دار الدُّنْيَا وقوله {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ} .